لجمهور يبحث عن انتصارات الطائفة، كان لابد لبعض وسائل الإعلام أن تبشرنا بأن الجيش السوري تقدم في ريف دمشق.. وأن البحرين قمعت تظاهرة للمعارضة.. وأن ائتلاف دولة القانون مصرّ على أن يمنح الحصانة لفقهاء المحكمة الاتحادية.. ولجمهور يبحث عن البطولات الخارقة كان لابد لموقع مقرّب من مكتب رئيس مجلس الوزراء أن يشمّر عن ذراعه ليخبرنا بأن المنقذ من الخراب والفوضى والظلال سيحررنا من أسر الموت والخوف.. ولهذا كان لابد من أن نقرأ مقالات من عيّنة "حسناً فعلت يا أحمد المالكي".. "أحمد المالكي صفعهم" و "أحمد المالكي بطلاً قومياً " حتى وصل الأمر بأحد الكتّاب أن يخبرنا بأن: " أحمد المالكي , قامة سياسية اجتماعية فارعة , ورغم حنكته السياسية نجده شاعراً وأديباً وخطيباً مبرّزاً. ونادراً ما تجتمع العبقرية السياسية مع اللوذعية الأدبية , لكن في موطن الرجال ومصنع الأبطال والعظماء والفنانين كل شيء ممكن الحدوث , فالعراق الذي اختاره الله تعالى ليكون انطلاقة البشرية نحو كونها الفسيح لابد أن هنالك حكمة خافية حول جدارة هذه الأرض المباركة لكثرة الأنبياء والصالحين والمفكرين الذين استوطنوها دون سواها..وهذه الجغرافية الخصبة بالمواقف والمآثر أنجبت لنا أحمد المالكي " ولأننا أرض خصبة تنجب العظام، فلا يهم أن يغيب فيلسوف العراق الأول حسام الآلوسي وسط صمت حكومي وإعلامي مريب.. فالرجل لم يولد في أرض الصالحين، ولم يصبح بطلاً قومياً، فماذا يهم إن كتب عنه حسين مروة وفؤاد زكريا وزكي نجيب محمود وعبد الله العروي؟ ولماذا يغضب محبّو وتلامذة حسام الآلوسي، فليس صحيحا أن الحكومة العراقية نسيت فيلسوف العراق، كل ما فى الأمر أنها كانت مشغولة بالسؤال عن صحة النائب خالد العطية، وجلست مع نفسها تفكر وتفكر فى أسلوب إخراجى جديد لمهزلة الامن، ليخرج بعدها القائد العام ليقول لنا انه لولا صولات قواته لانقلبات بغداد.. مصرا على ان يروي لنا حكاية "ليلى والذئب" قبل ان ننام عن ال 2000 سيارة المفخخة التي عثر عليها في احدى مناطق بغداد.. ولان ليلى بنت بريئة، فمطلوب منها ان تصدق حكاية اخر الليل التي رواها المالكي.
ولذلك لا أوافق أبدا على ما ذهب إليه البعض من أنه كان يفترض أن يترك اشاوس الحكومة مشاغلهم الضخمة ومسؤولياتهم الجسام ليضيعوا دقائق من وقتهم الثمين فى إصدار تصريح صغير يواسون فيه أسرة الفقيد المفكر حسام الالوسي ويعزون الشعب االعراقي..
وما دام ذلك كذلك فلا أتصور مثلا أن يذهب رئيس مجلس الوزراء ليكون فى مقدمة مشيعي الراحل الكبير، فالرجل كان الله فى عونه مشغولا طوال الوقت بالتنظير لبطولات ابنه وممارسة رياضة التخلص من الخصوم، والمساحات الفارغة من وقته الثمين تذهب إلى بعض ملفات مثل مصير بشار الاسد أو التحضير لقمة عشائرية ترفع شعار بالروح بالدم..
وقد يتخابث أحدهم ويسأل: لماذا لم يصدر بيان رسمى، أو برقية عزاء رسمية من مجلس الوزراء تؤبن حسام الالوسي؟.. غير أن هذا التساؤل مردود عليه بأن الحكومة عن بكرة أبيها متمترسة خلف عجلة التطور والتقدم تدفعها إلى الأمام وفق أحدث النظريات العلمية ثم إن لديها ملفات أخرى أكثر أهمية من أداء واجب العزاء في "مجرد مفكر"، يكفيها أنها توصل الليل بالنهار لكى تواصل بث احاديث المالكي كل اربعاء
وإذا كان الرئيس الفرنسي قد خرج بنفسه يقرأ نعي الراحل محمد أراكون.. وإذا حاولت المستشارة الألمانية أن تواسي شعبها برحيل الفيلسوف غادامير، فلأنهم شعوب عاطفية أكثر من اللازم، ويملكون وقت فراغ لا يعرفون ماذا يفعلون به.
عفواً أيها الراحل، هذا ليس زمانك، و بالتالي لا تحزن على هذا التجاهل، فنحن نعيش عصر "نواب الصدفة"، الذين دخلوا قبة البرلمان باصوات لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة.
أيام مرّت على نشر أخبار بطولات أحمد المالكي من دون ذكر رحيل الآلوسي.. ضعيفٌ الجهد الفلسفي للراحل، مقارنة بالأعمال العظيمة التي يقدمها رجال دولة القانون وأبناؤهم البررة!
حسام الآلوسي وصولة المنطقة الخضراء
[post-views]
نشر في: 21 أكتوبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 4
د. حسن مجيد العبيدي
عزيزي أستاذ علي المحترم، شكراً على مقالك الرائع هذا، عن استاذنا الآلوسي واتمنى ان يتكلل مقالك هذا باظهار الملف عن الفيلسوف الآلوسي ف يجريدتكم الغراء بعد ان شاركنا نحن وغيرنا من تلامذته فيه، حتى يعرف من لا يعرف ويقرأ من لا يقرأ من هو الفيلسوف الآلوسي وما ه
ثائر الالوسي
احسنت ، لعل ما يصبرنا على فقد العم الاستاذ حسام بعد الإيمان بقدر الله تعالى انه رحل عن بلد لا يقدر حقه بل لعل ذلك ما اسهم في انتكاسة الراحل وغيره من علماء هذا البلد ، وهنا استعير ما كتبته الكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي عندما كتبت عن خيبة أملها في ان كل
بديع الالوسي
شكرا ً اخي علي ، وأنتهز هذه المناسبة لأعبر عن مكنون غضبي من كل المؤسسات التي ساهم بها الدكتور حسام الالوي ، والتي تخلفت عن حضور جلسات العزاء . يا بيت الحكمة ، نتساءل : هل في فعلتكم هدة شيء من الحكمة ؟ كذلك أقول الى المجمع العلمي العراقي : ادفنوا رؤسكم في
ابراهيم
الله لا يعطيك ذكرتهم فراح يتيم عدي ووقف دقيقة صمت بالبرلمان على الفقيد الكبير وكفى الله المؤمنين لو شوية منتظر جان يبينون على حقيقتهم من جهل وغباء تقديري لك