TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الدولة غائبة أفراحنا!

الدولة غائبة أفراحنا!

نشر في: 22 أكتوبر, 2013: 10:01 م

لولا وجود سيارة شرطة النجدة ووقوفها أمام البيت، ولولا تكرّم البعض من أصدقائنا القدامى من الضباط في الشرطة والجيش، الذين لبّوا دعوتنا وحضروا فرحنا.. لولاهم جميعا لم يكن بمقدوري إقامة حفل زواج ابني في البيت، ولم اكن لأتمكن من تأمين سلامة فرقة الخشابة من تجاوز بعض المتطفلين، الذين غالبا ما يخربون أفراح الناس، يمزقون لحظات سعاداتهم بافتعال شغب هنا اوهناك، ذلك لأنهم يجهلون ما كانت البصرة عليه قبل نحو من عشرين سنة. أيام كانت مناسبات الفرح كلها تقام على أنغام وطبول ودفوف الخشابة.
ولأن قضية من هذا النوع لم تكن شخصية جداً، لأن الفرح والتعبير عنه ضرورة إنسانية، تختلف باختلاف الثقافات والممارسات، كذلك يكون الحزن مختلفا من شخص لآخر ومن مجتمع لثان، كان لا بد من تنظيم ورعاية رسمية له. كثيرون أشاروا عليَّ بأن لا أستقدم فرقة الخشابة خشية حدوث مشاكل صبيانية بتعبيرهم، لكني كنت مصرّا على حضور الفرقة كإصراري على حمايتها، وهذا ما كان أهلنا يفعلونه، فهم يبلغون مركز شرطة القرية أو المحلة برغبتهم في إقامة حفل ما، ليقوم المركز بإرسال(سيارة مسلّحة) هكذا كانت تسمّى سيارة الشرطة، لترابط قرب ميدان الحفل، فهي ترعاه من بدايته حتى النهاية، مؤمّنة بذلك سلامة الجميع، أنا لم أفعل شيئاً سوى إحياء (سنّة) متّبعة. وهكذا مرت الساعات التي ابتدأت في العاشرة مساء وحتى الواحدة بعد منتصف الليل خالية من أي مشكلة، رقص فيها الجميع، بل حتى الذي لم يقم من كرسيّه أو اخجله أمر ما، تمايل طرباً عليه، مستمتعين بصوت المطرب محمد سالم وبصوت الموسيقى والدنابك التي صدحت بين النخل.
المثير في الامر أن جارنا الذي زوّج أثنين من ولده بعد ثلاث أو أربع ليال من زواج ابني استقدم فرقة دينية، تقدم التواشيح والأناشيد التي تتغنى بحب النبي وآهل البيت لكنه لم يوفّق في الحفل ذاك، فقد تسلل البعض من الصبية والمشاغبين- فيهم من تعاطى الخمرة أو الحبوب المهلوسة- وقاموا بنثر الدنانير على رؤوس أعضاء الفرقة، الأمر الذي أغضب رئيسها فخرج تاركاً الحفل بمن فيه وهو في مبتدئه، محبطا رغبة أهل الفرح في سماع ما يسرهم ويفرحون به، الرجل لم يستقدم سيارة النجدة لعلمه بان فرقة دينية تقيم ما يشبه الذكر في مسجد أو حسينية ليست بحاجة لحماية أحد، غير مدرك بان المشكلة لا تكمن في طريقة الفرح إنما هي في سلوك "الهؤلاء"، وهنا أجدني أقول: لا بد من حماية الشرطة لأفراحنا.
تعتقد دولتنا الجديدة -إن كانت لدينا دولة- أن مسؤوليتها تنحصر في المشكلة السياسية الدائرة منذ سنوات عشر في بغداد، وأن الناس قادرون على حل مشاكلهم بينهم، وما يحدث من خلافات بين بعضهم يحله رئيس العشيرة، وأن السلوك والخلق الديني العام والمشاع بينهم كفيل بحل الكثير من مشاكلهم، كما إن التهديد ورمي الطلقات على منزل الخصوم واللجوء إلى الطرف الثالث وممارسات مثل الفصل والعطوة وسواها قادرة على إيجاد نهايات لما يشتجر بينهم، وهذا ما يشاع بين الناس اليوم، الأمر الذي أفرغ الساحة للمنحرفين وشذاذ الآفاق، من الشقاوات والمجرمين والمحتمين بالأحزاب الدينية والمليشيات في مدينة مثل البصرة، التي كانت واحة للأمن والطمانينة وساحة خضراء للهو البريء والطرب والاستمتاع بالحياة.
في الوقت الذي عاب أو شنّع عليَّ بعض الأهل والأصدقاء استقدام فرقة الخشابة قال الكثير منهم بأنهم كانوا في غاية السعادة، وان ليلتهم انقضت ببهجة نادرة، بل وبينهم من عدَّها استثنائية لأنها أبعدتهم عن السياسة والمفخخات ومشاكل الحياة الأخرى. وبين الرأيين أقف في جزء منه بين المُحَلل والمُحَرَّم، ولا أقول إن كل من عاب وشنّع كان محقاً يقصد إصلاحاً، لكني أجد أن كل ما قال بأنه نام ليلته سعيداً كان صادقا منسجما مع ذاته، لأن الفرقة ابتدأت بقطعة موسيقية لأغنية (أنا بعشقك) وهي من الأغاني الجميلة لميادة الحناوي ومن ألحان العبقري بليغ حمدي، ومرّت على السيدة فيروز فغنت لها (سألوني الناس عنك يا حبيبي) وانتهت بأغنية (سدرة العشاق) لشادي الخليج وهي من روائعه المعروفة، وتخللت ذلك قطع موسيقية وأغان شعبية خلت من الكلام الفاحش والبذيء، لكنها لا مست الروح، رققتها، وهذا مما يُفرح ويدخل السرور على الناس وتبتهج به القلوب.أفي ذلك ما يغضب الله؟
أتساءل إذا كانت الدولة حامية لعصابة ثائر الدراجي التي جابت شوارع الأعظمية شاتمة لاعنة، وإذا كانت حارسة لمواكب التطبير ومواسم الطائفية، راعية لكل ما هو دموي ونتن من سلوك واثق البطاط وغيره هنا وهناك، ترى لماذا لم تكن راعية لأفراح الناس، لما يؤكد من وجودهم الانساني بعيداً عن العنف والتشدد والقتل؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram