كنت على موعد البارحة مع عراقي نجفي دفعته أمراض الشيخوخة لطلب العلاج بالقاهرة. لم أكن اعرفه من قبل بل حدثني عنه عراقي مقيم هنا من قبل 30 عاما. ما دفعه للحديث هو ان ضيفه من الذين عاشروا الشاعر النجفي الكبير عبد الحسين أبو شبع. قال لي: تعال لتلتقي به ولتسمع منه تفاصيل قد لا تعرفها عن أبو شبع. كنت متلهفا حقا لرؤية الرجل ليخبرني عمّا لا اعرفه عن شاعر أحب شعره ومواقفه واطرب لقصائده الغنائية والحسينية معا. أهم ما يشدني إليه مواويله الرائعة التي تنافس مواويل الحاج زاير أو تتفوق عليها أحيانا.
قبل ليلة اللقاء انشغلت بموال شهير له لكني لم اكن أحفظه بالكامل. انه الموال الذي ينتهي بـ "كل خير ما بيك شفتك فوك شفتك تحت". بحثت بالنت عنه فوجدت أن هناك من تناوله في اكثر من موقع. الغريب ان كل الذين نقلوا الموال عنه لم يضبطوا الوزن في شطره الثاني. أيقنت ان الجميع نقلوه من شخص اخطأ به فلم يتعب احد منهم نفسه بالرجوع إلى مصدر صحيح. كتبوا الشطر الثاني هكذا: وانته على الماي تبحث وبصخرة انته تحت
ليس الخلل بالوزن فقط بل حتى المعنى والمفردات مضحكة خاصة "وبصخرة انته".
عندما التقيت النجفي، وليس النجيفي طبعا، أول شيء سألته ان يقرأ لي الموال ان كان يحفظه. رد بلهجته النجفية المميزة: اللي ما يحفظ هذا الموال يعني ما يعرف أبو شبع. ثم قرأه وكأنه أبو شبع بذاته:
صار الربيع ومشت ناس بغنمها تحت
وأنت على الماي تبحث وبصخرتك تحت
تزعم خبير وتدير أمرك وفرصه تحت
ما أنتجت خير والقايش إبراسك ركب
عالركب تحبي كمت ما وصّلنك ركب
لا انته كاعد وساكت لا تساير ركب
كل خير ما بيك شفتك فوك شفتك تحت
لم اسأله عن معاني الجناس وماذا تعنيه كلمة "تحت" في نهاية كل شطر، بل سألته ان كان يعرف الذي قصده أبو شبع في هذا البيت الهجائي العميق. رد علي: انه اللي أبالك مولانا. ومن هو اللي إبالي يا شيخ؟ ضحك وقال لي لعد هاك اسمع مواله الثاني:
مبدأ الإسلام إنساني نشـر ولّف
ما بين الكلوب واصل بالعمل ولّف
مهّـد للأجيال ما تحتاج إله ولّف
أحچي وأصارح أنا من دون لف ودور
مو كنز الأموال وامتدت قصور ودور
وصه النبي بالعمل في كل زمان ودور
ما كال لفّوا العمايم للنهب واللف
زين هاي منو المقصود بيها بروح أبيّك؟ رد علي انه ليس لواحد بل لعشرات أو قل مئات. اكثر من ساعتين وهو يحدثني عن ذلك الشيوعي المتمرد الذي شغل ناس النجف بموالاته ودارمياته وبوذياته، مثلما ملأ دنياهم بردّاته الحسينية وأغانيه التي لا تفارقني منها "ارحم دليلي".
كان كريما مثل أهل ولايته إذ أهداني ديوان أبو شبع فافرحني به كثيرا. قبلته شاكرا واستأذنته في ان اهدي الموال الأول لجار شلع كلبي وكلب العراق.
كـل خيـر ما بيـك
[post-views]
نشر في: 23 أكتوبر, 2013: 10:01 م