يتعامل البعض مع التقارب الإيراني الأميركي، على أنّه ضد العرب وبتحديد أدق بعض الأنظمة العربية، مع أنّ توافق الطرفين على تسوية الملف النووي، وطبيعة النفوذ الإيراني في المنطقة، من مصلحة العرب والفرس في آن معاً، فالعرب كما فهمنا يُطالبون بمفاوضات فاعلة، لحل أزمة النووي الإيراني، قبل التوصل إلى إنتاج سلاح فتّاك، وهذا أمر في طريقه إلى التحقق، أمّا الرغبة في أن تقود مصالح البعض، ورغباتهم في لعب أدوار في المعادلة الإقليمية سياسات واشنطن، فتلك أمور مستحيلة، لأنّ أميركا تفكر أولاً وعاشراً بمصلحتها، دون أي اعتبار لمصالح الآخرين أو رغباتهم.
صانع السياسة الإيرانية يلعب أوراقه بمهارة، وهو يؤكد للعالم استحالة التوصل إلى اتفاق لاتتحقق فيه منافع للطرفين، بمعنى أنه يُصر على انتهاء حالة العداء الأميركية، والاعتراف بدور إقليمي أساسي لإيران، ويبدو أن واشنطن اقتنعت، على خلفية ما يجري في سوريا، بدور إيران المتميز، وهي مستعدة للتعاطي مع ذلك بإيجابية، باتت شديدة الوضوح.
طهران تشترط أيضاً رفع الحصار الاقتصادي، الذي بات سيفاً مُصلتاً على رقبة النظام، والمؤكد أن روحاني ليس الوحيد المؤمن بهذا التوجه، بقدر ما يُنفذ إرادة الولي الفقيه، الذي حثّ قادة الحرس الثوري، والجهات الأصولية الأخرى على فهم العملية، وحذرهم من التدخل في الأمورالسياسية، وصانع السياسة الأميركية يأخذ بالحسبان مصلحته في الحفاظ على أمن الخليج، المستحيل بدون التوافق مع طهران، ويُلقي خلف ظهره أيّ تعهدات سياسية كان بذلها هنا أو هناك، بما في ذلك مع الحليف الأوثق والأهم في تل أبيب .
استندت السياسات الخليجية دائماً، على أن الجار الإيراني عدو مُحتمل، يقتضي جواره تحشيد القوى، لمجابهة "أطماعه التوسعية المذهبية"، لكنها ظلّت تأخذ بالاعتبار، أن هناك قنوات خلفية مفتوحة بين واشنطن وطهران، بدت واضحة وفاعلة في مسألتي غزو العراق وأفغانستان، وتلك أمور سابقة على زيارة روحاني، أو أزمة الكيماوي السوري، وهي قنوات صُممت لتفضي إلى التقارب الحاصل اليوم، والذي سيؤدي إلى تلبية الطلب الأميركي بتحديد النشاط النووي الإيراني وخروج الجمهورية الإسلامية من عُزلتها، والاعتراف بها كقوة إقليمية، ويعني ذلك بالتأكيد، أن الغرب لن يخوض الحرب ضد إيران، كُرمى لعيون الدول الخليجية، خصوصاً وأن موسكو تقف داعمةً للسياسات الإيرانية، بينما الغرب غير معني بتأجيج حرب ولو باردة، مع الدب الروسي المتحفز.
كنا نفترض أن الخليج سيرحب بأي اتفاق، يبعد عنه شبح الخطر النووي الإيراني، لكن الواقع غير ذلك، إذ تُجري تلك الدول حساباتها، على خلفية سياسات إيران التوسعية، وامتداد نفوذها المذهبي في العالم العربي، وهو ماتعتبره هذه الدول أكثر خطورة من السلاح النووي، وهو ذو حدّين كما ينبغي القول، وهنا تبرز إمكانية أن تلجأ الدول الخليجية إلى شن هجمة مضادة، تستهدف إحياء التناقضات الإثنية في الجمهورية الإسلامية، رداً على "الهجمة الطائفية" التي تقودها طهران.
اليوم تُدرك دول الخليج أنها بالاعتماد على الحليف الغربي، لن تتمكن من لعب دورها الإقليمي، كما تراه أو تتمناه، فواشنطن ألقت مراسيها على الشاطئ الإيراني، ليتحول موقفها العدائي، إلى القابل بإيران كشريك أساسي في الحفاظ على توازن المنطقة، وكحليف محتمل لمواجهة موسكو، التي تواصل مدّ ظلالها في كل الاتجاهات، التي ظنت واشنطن أنها ضمن هيمنتها، ويكفي أن أوباما أكد مؤخراً أن بلاده لاتنوي إطاحة النظام الإيراني.
المنظومة الخليجية مدعوة لمقاربة جديدة، تأخذ بالاعتبار إمكان التعايش مع الجار الإيراني، ولو على مضض.
واشنطن طهران ضد العرب؟
[post-views]
نشر في: 23 أكتوبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
شكرا على هذا التحليل الصائب اكيد اميركا تعلم جيدا بقوة ايران ومكانتها الاقليمية والحقيقة استاذ حازم ان ايران تمتلك كل مقومات الدولة العضمى من حيث الموارد البشرية والنفطية والمائية وموقها الاستراتيجي الى ماغير ذلك ولو لم تكن انها دولة اسلامية لااعتقد ان ال