TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رئيس وزراء"أمبريالي"وابنه !

رئيس وزراء"أمبريالي"وابنه !

نشر في: 23 أكتوبر, 2013: 10:01 م

يحلو لنا دائما أن نعتقد أننا قوم متفرِّدون في المزايا والخصال، أوتينا من الحكمة والعبقرية ما لم تحظ به شعوب أخرى كثيرة. لكن الحقيقة التي أثبتتها السنين والأيام تؤكد أننا شعب مستسلم لقدره، خانع يتعرض إلى أقسى عقوبات الحاكم وهو راضٍ عن مصيره، هاتفاً من أعماق قلبه كل يوم:"الله يخلي الريس".
تقوم الدنيا ولا تقعد لأخطاء بسيطة يرتكبها بعض المسؤولين في معظم بقاع الأرض، فيما نحن نعيش في ظل حكومة أغلقت أسماعها وأبصارها عن معاناة الناس، حكومة أغمضت عينيها ولا تريد أن تعرف أن العديد من حكومات العالم المنتخبة تسقط حين تفشل في الإيفاء بوعودها للناس فيما ساستنا لا يزالون مصرين على أنهم منتخبون من الشعب، فيما الشعب المسكين لا يعرف حتى أسماء البعض منهم ولم يتسنَ له التعرف على الإنجازات العظيمة لهم في مجال السياسة والعلوم والاقتصاد.
حكومة أوجعت رؤوسنا بكلمة الشعب للكذب على الناس دون أن تكون عندها أية قيمة لهذا الشعب، حكومة اختصرت الديمقراطية في صندوق وبطاقة انتخاب ولافتة تأييد، بعد أن نزعت منها الروح وجعلتها مسرحية هزلية.
نقرأ أخبار العالم فنشعر بالحسرة على سنوات ضاعت وسنوات أخرى في طريقها إلى الضياع... الخبر الذي جرى في إحدى دول الديمقراطيات الحقيقة يقول إن ابن رئيس الوزراء -الذي لا أريد أن أذكر بلده كي لا أتهم بالترويج للإمبريالية - إن هذا الابن الوحيد غادر مكان خدمته في الجيش دون معرفة الضابط المسؤول عنه، وتوجه إلى البيت ليشارك والده ووالدته العشاء، وعندما علم الضابط بمغادرته حاول الاتصال به على جهازه المحمول، لكنه لم يرد، واكتفى بإرسال رسالة، يقول فيها إنه خرج في أمر ما، ولكن طال انتظار الضابط لساعات، ليكتشف أنه كان في بيت والده، رئيس الوزراء، يتناول العشاء.
فماذا حدث بعد ذلك..سيقول البعض وهم الأكثرية طبعا أن رئيس الوزراء رفع سماعة الهاتف ليوبخ الضابط الذي استاء من تصرف ابن "فخامة"رئيس الوزراء، وسيحاول البعض الصيد في ماء الديمقراطية العراقية العكر ويقولون بأن فخامة الأب اعتبر الأمر عاديا فما المشكلة حين يترك جندي المعسكر، ونحن نعيش وسط قوات أمنية معظم أفرادها يقضي أوقات دوامه سائقا"للسايبا"فيما راتبه يذهب مناصفة بينه وبين احد الحيتان!
ولكني سأخيّب ظن الجميع، فالصحافة خرجت في اليوم التالي لتقول إن الابن قدم لمحاكمة عسكرية، وصدر على إثرها قرار حجزه في المعسكر 3 أسابيع!.. فيما الأب قدم اعتذارا مكتوبا عن الحماقة التي ارتكبها الابن.
هكذا تحمي الدول مواطنيها بديمقراطية حقيقية ونزيهة، وعمل مخلص وجاد، فيما تحولت ديمقراطيتنا إلى جهنم تكوي الناس بلهيبها من خلال سياسيين يعتبرون مجرد الإشارة إلى أخطائهم بأنه كفر وإلحاد وعمل من أعمال الشيطان.
هكذا تسير الأمور عندنا على هوى المسؤولين، وليس على قواعد بناء دولة حديثة لا تتغير مع اتجاهات حكامها، ولا تتلون بلون الطائفية. دولة للجميع وليس للراقصين على الحبال وتجار الانتهازية والمحسوبية وسرّاق المال العام.
اليوم جنرالات الحكم يصفون الخارجين عن طاعتهم بأنهم قلة مندسة، مثلما كان صدام يصف معارضيه بأنهم خانوا الوطن، هذه هي الوصفة الحقيقية لإنتاج أنظمة الاستبداد.
، النموذج الذي قدمته هذه الدولة بمحاسبة ابن رئيس الوزراء يعلمنا جيدا كيف تكون الديمقراطية، محاسبة المسؤولين على أفعالهم تجاه قضايا الناس، لا أن يحاسب المسؤول الناس وينصِّب نفسه وصياً على حياتهم.
تخيلوا لو أن ابن مسؤول عراقي اُتهم بمخالفته القانون، ماذا كان سيفعل السيد المسؤول؟ حتما سيصف متهميه"بالثلة الفاسقة"وبأنهم يريدون تحويل العراق إلى دولة إباحية، وأن هناك مخططاً تقوده خلايا البعث بالتعاون مع إرهابيي القاعدة لتشويه سمعة البلاد، و لَصرخ بصوت عالٍ:إنه باقٍ في منصبه إرضاءً للجماهير التي لا تنام، إلا وهي تضع صورته في سويداء القلب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    انت تتحدث عن مفهوم دولة والعراق ليس بدولة انها مجاميع من العصابات هي التي تحكم هذا البلد من الفاسدين وسراق المال العام رغم انهم لايؤمنوا بالمال العام ويعتبرونه حق سلب منهم وقاموا باسترداده واتحداك اذا جلست مع احد هؤلاء الفاسدين وقال لك هذا مال عام احد ال

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram