TOP

جريدة المدى > عام > خزعل الماجدي يتحدث عن ملحمة كلكامش..العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في وادي الرافدين

خزعل الماجدي يتحدث عن ملحمة كلكامش..العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في وادي الرافدين

نشر في: 25 أكتوبر, 2013: 10:01 م

ضيّف المركز الثقافي العراقي بلندن الباحث ومؤرخ الأديان والحضارات الدكتور خزعل الماجدي في أمسية ثقافية تحدّث فيها عن "ملحمة كلكامش: العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في وادي الرافدين". وقد أسهم في تقديمه وإدارة الندوة كاتب هذا السطور. قسّم

ضيّف المركز الثقافي العراقي بلندن الباحث ومؤرخ الأديان والحضارات الدكتور خزعل الماجدي في أمسية ثقافية تحدّث فيها عن "ملحمة كلكامش: العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في وادي الرافدين". وقد أسهم في تقديمه وإدارة الندوة كاتب هذا السطور. قسّم الماجدي محاضرته على قسمين أساسيين وهما "المُقدّمات والمنهج" و "شرح وتأويل أحداث الملحمة على ضوء مفهومي العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية" كما قسّم الملحمة إلى أربعة فصول وهي "ربيع كلكامش، وصيفه وخريفه وشتاؤه" حيث يتشظى كل فصل إلى سبعة أحداث متتابعة بشكل متناوب بين الشمس والقمر.
توقف الماجدي عند مدينة أوروك التي احتضنت الملك والبطل كلكامش، كما أنها المكان الذي ظهرت فيه الكتابة أول مرة في حياة الإنسان لتنعطف فيها عصور ما قبل التاريخ إلى العصور التاريخية.
أشار الماجدي إلى أن زمن أحداث الملحمة البابلية القديمة قد دوِّنت باللغة الأكدية البابلية، كما نوّه الباحث إلى أن هناك ستة نصوص سومرية تتحدث عن كلكامش، غير أن ثلاثة منها فقط هي التي دخلت في مضمون الملحمة البابلية، بينما لم تدخل النصوص الثلاثة الأخرى في متن الملحمة وهي "كلكامش وعشتار وشجرة الخلبو"، " كلكامش وأجا ملك كيش" و "موت كلكامش".
مفهوم العَود الأبدي
عرّف المحاضر "العَود الأبدي" بأنه "طقس ديني في الأساس، ينفّذه الشخص أو الجماعة المتدينة لكي تقطع مسرى التاريخ المتواتر وتعود إلى التاريخ الأسطوري أو إلى الأبد الأزلي الغائر في الزمان الأبعد حيث كانت بداية الخليقة أو الأحداث المقدّسة". وهو بهذا المعنى إجراء عملي أو طقس ديني يقوم به المتعبِّد لكي يستحضر الزمن المقدس ويواجه به الزمن "المدنّس". وقد أشار المُحاضر في هذا السياق إلى أن العالِم الروماني الأصل مرسيا إلياد قد وضع نظريته في علم وتاريخ الأديان على أساس هذا الفهم المثولوجي الذي يعتمد على الأصول المقدسة. أما المفهوم "الفلسفي" للعَود الأبدي فيعني من وجهة نظر المُحاضر "تكرار الوجود خلقاً وفناءً وبشكل دائم وتكرار أحداثه أيضاً"، أي أن حركة الزمان لا تمتد بشكل مستقيم إلى الأبد، بل لا بد أن تتوقف عند نهاية معينة، وبعدها يبدأ الزمان من جديد من بدايته الأولى نفسها، وهذا يعني أن الأحداث ستتكرر في كل دورة زمانية، وقد عزّز نيتشه هذا الاعتقاد الذي ارتكزت فلسفته عليه.
الصراع الشمسي القمري
أوضحَ المُحاضر أن الصراع الذكري الأنثوي قد بدأ منذ اكتشاف عصر الزراعة في حدود الألف التاسع ق.م وظل مستمراً حتى القرن السابع ق.م. أشار الماجدي إلى أن اكتشاف الزراعة في وادي الرافدين، وازدياد دور المرأة في الزراعة والإنجاب هو الذي كرّس مركزية المرأة وارتباطها بالقمر، خصوصاً وأن الرجل لم يكن يعرف دوره في الإنجاب والزراعة لذلك ارتبط بالشمس، من هنا نشأ التضاد بين العقائد الشمسية والقمرية وظهرت أولى بوادر الصراع بينهما. حينما أدرك الرجل دوره في الإنجاب قام بالربط بين المني والمطر الأمر الذي أدّى إلى التركيز على دور السماء في العبادة بدلاً عن الأرض، فأصبحت السماء تمثل الإله الذكر فيما صارت رموزها الذكرية "الهواء والشمس والبرق" التي وقفت بوجه الرموز الأنثوية المتمثلة بـ "الأرض والماء والقمر" وأصبح الأب مركزاً للعائلة والمجتمع فتبلورت فكرة الزعامة والسلطة، كما ظهر الحرف والمينة والمعبد، الأمر الذي أتاح للعقائد الشمسية أن تصعد فيما تراجعت العقائد القمرية. إن ظهور المعبد في جنوب العراق يعد إشارة صريحة إلى أن القسم الجنوبي من العراق قد تبنّى أفكاراً دينية تختلف عن شماله بحيث دفعت إلى ظهور هذا البناء الديني.
ملحمة كلكامش
تكمن أهمية الملحمة، كما ذهب المحاضر، في ما خلفته من سياقات موازية لمسرى البحث عن الخلود، وليس في نجاح أو فشل الحصول على الخلود. وأن هذه السياقات هي التي تمنح الوجود الإنساني معنى عميقاً في دلالته. وقد نبّه المحاضر إلى وجود أنساق تأويلية لم يستطع الكشف عنها كلها وقد ترك أمرها للباحثين الكثر في هذا المضمار.
قسّم الماجدي الملحمة على نوعين من الرموز المتصارعة وهي الرموز الشمسية التي يمثلها كلكامش والرموز القمرية التي يمثلها أنكيدو والإلهة الأم حيث تتصاعد الرموز الشمسية وتضعف الرموز القمرية في النص الأول من الملحمة، بينما يحدث العكس في النصف الثاني حيث تضعف الرموز الشمسية وتتصاعد الرموز القمرية. ومن الأدلة التي تثبت تصاعد الأدلة الشمسية اغتصاب كلكامش للعرائس، ترويض شمخة لأنكيدو، قتل خمباباـ رفض كلكامش لعشتار، أما الأدلة التي تثبت صعود الرموز القمرية في النصف الثاني من الملحمة فهي "قتل الأسود، الرجال العقارب، سيدوري، نوم كلكامش، أكل عشبة الخلود من قِبل الأفعى" وما إلى ذلك. لا بد من الأخذ بنظر الحسبان أن بداية الملحمة تنطلق من فرضية أن الرجل / الشمس هو مركز الكون، وأنه مستبد وقوي، وأن ثلثيه شمسيان. وأن بزوغه الأول هو الفجر فلابد أن يصعد ويكتمل ثم يستمر كلكامش بالصعود بعد انتصاره على أنكيدو واجتياح غابة الأرز، وقتل حارسها خمبابا، وإهانة الإلهة العذراء عشتار، وقتل الثور السماوي. أما القمر / أنكيدو فيمرض ويهزل حتى يموت ويتوارى عن الأنظار، وهكذا يقوّض كلكامش / الشمس كل رموز العصر الأمومي / الأنثوي، ولم يبقَ سوى أنكيدو، الهلال الشاحب الذي يختفي عند الانتصار المدوّي لكلكامش في نهاية فصل الصيف / الفضي.
في الفصل الثالث نشهد تقهقر كلكامش والرموز الشمسية، في حين نشهد نمواً جديداً للقمر لأن رحيل كلكامش من أوروك سيقلل من قوة الشمس، حيث هام في البرية، وقتل الأسود التي هي رمز للشمس، ثم انتعش القمر عندما قابل كلكامش الرجال العقارب، جنود الإلهة الأم تيامت ثم دخل طريق الشمس، واكتشف غابة المعادن والأحجار الكريمة.
يشير المحاضر الى أن هذا التقهقر يوحي لنا بأن كلكامش قد عاد في الزمن إلى عصر الطوفان، لا شك في أن أحداث الملحمة معروفة حيث تُدِّله سيدوري أو نجمة المساء إلى أورشنابي، ملاح أوتنابشتم الذي سيكون بمثابة أنكيدو جديد يرافق ككامش في رحلته، وتكون سيدوري مثل عشتار، ولكن في حالة غسق وغياب، ويكون أورشنابي مثل أنكيدو ولكن في حالة مضمرة. وهكذا ينمو هلال القمر ليصبح نصف بدر وكأنه مرْكبٌ على بحر الموت، إن العناصر القمرية مثل جبل ماشو والعقارب وكفوف البردي هي التي تزيد من قوة القمر وتدفع بكلكامش زمانياً بالعودة إلى عصر الأمومة حيث يتضاءل دور الشمس وكأنها متجهة نحو الغروب.
في المرحلة الرابعة والأخيرة يصل كلكامش إلى أوتونابشتم الساكن عند "فم الأنهار" ويكون بذلك قد توغل في الماضي وصولاً إلى حادثة الطوفان حيث يُرمز إلى أوتونابشتم بمرحلة الأب وأورشنابي بمرحلة الابن. إن زمن الطوفان، كما يرى المحاضر، هو زمن بدئي يشير إلى بداية الخليقة ثم نكتشف أن زوجة أتونابشتم تشير إلى زوجها أن يعطي كلكامش عشبة الخلود التي ترمز هي الأخرى لعودة كلكامش إلى صباه وطفولته دلالة على العودة بالزمن إلى الماضي. ويستمر التقهقر في الزمن حتى يلاقي كلكامش الأفعى التي هي رمز الإلهة الأم الكونية، ثم يتراجع هو إلى الرحم الكوني حيث يتجدد ويعود إلى بيضة وجوده الأولى حيث زمن الخليقة الفعلي الأول، ولكي تُقفَل دائرة العَود الأبدي لابد من عودة كلكامش مع أورشنابي إلى أوروك لتُختتم الملحمة بالكلمات نفسها التي بدأت بهان وفي هذا الدور يتخلى كلكامش عن شمسيته تماماً وتحتجب الشمس، بينما يكبر القمر حتى يتحول إلى بدر في نهاية الملحمة.
اختتم الماجدي مُحاضرته بتشبيه دقيق يبيّن فيه التحام نهاية الملحمة ببدايتها مثلما يلتحم فم الأفعى بذيلها وتهدأ حركتها ولوغوسها لتكف عن الكلام / الخلق وتنتهي الملحمة بعودة كلكامش إلى أوروك.
ذكر الماجدي بأن الأساطير الأغريقية تبدو مزيفة، ذلك لأن مؤلفها هوميروس هو شاعر بالأساس، وقد استوحى أحداثاً من مخيلته الشعرية التي كانت تغذّيه بالعديد من التصورات التي يعيشها في لحظات إلهامه، أما أساطير وادي الرافدين فهي، بطريقة أو بأخرى، من تأليف اللاوعي الجمعي لأبناء الرافدين على الرغم من ذيوع اسم شين إيقي ئونيني كمؤلف لملحمة كلكامش.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram