اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > (عماد عاشور) في معرضه الشخصي الرابع..وجوه.. بذكريات ومساحيق صمت بليغ

(عماد عاشور) في معرضه الشخصي الرابع..وجوه.. بذكريات ومساحيق صمت بليغ

نشر في: 25 أكتوبر, 2013: 10:01 م

 اذا كان باستطاعة الكلمات ان تمنح الأشياء أبعاداً تداولية (براغماتية) ضمن نطاق استعمالاتها وتسمياتها اليومية،فإن الصورة ستبقى الأكثر أثراً في ترسيخ ما سيعلق بالذاكرة من لحظات ومواقف واستمالات وجدانية،ليس لمجرد انها تتوالى من شريط و لوائح ما كان

 اذا كان باستطاعة الكلمات ان تمنح الأشياء أبعاداً تداولية (براغماتية) ضمن نطاق استعمالاتها وتسمياتها اليومية،فإن الصورة ستبقى الأكثر أثراً في ترسيخ ما سيعلق بالذاكرة من لحظات ومواقف واستمالات وجدانية،ليس لمجرد انها تتوالى من شريط و لوائح ما كان محفوظاً بها من ذكريات ومشاعر وانفعالات،بل سيتوقف ذلك على قدرة الفرد في اعادة صياغة تلك الذكريات من حيث عمقها ودلالة أثرها ودرجات تغلغلها في مسالك روحه وثنايا اللاشعور الغاطس في قيعانها،سواء أكان على شكل وهيأة متوالية يقوم باستلالها من مجمل مقتطعات تلك اللقطات الاسترجاعية أم ستأتي بصيغ أخرى خاضعة الى عمليات حذف أو اضافة تبعاً لنوعية الوعي المتشكل وطبيعة طريقة تلك الاستعادات أخرى،التي سيسعى الفرد الى تجسيدها بصريا.

على سبيل ما جادت به ذخائر ذاكرة الفنان التشكيلي (عماد عاشور/بكالوريوس-رسم/1986) في (ألبوم) معرضه الشخصي الرابع الذي أُقيم في 29 أيلول/2013على قاعة دائرة الفنون في وزارة الثقافة ضمن أنشطة وفعاليات (بغداد عاصمة للثقافة العربية هذا العام)، وهو يعيد سبل صياغة تعابير دواخله ومتممات أحاسيسه الروحية والنفسية-على حد سواء- من خلال استحضار متنوع لحشد كبير من الوجوه والأقنعة التي راحت تتوالى في تعميد وجودها من ينابع ألوان حارة وأخرى باردة تناوبت في عموم بهاء حر لتموجات فرح وحزن.. خوف وأمل.. حيرة واطمئنان يقظ.. مبهج وغامض حيال عرض مغرٍ ومحيٍ في ذات لحظات ذلك الشوق المحير والحنين الخفي لأشياء وشخوص تماهت في أتون خطاب حميمي،تماسك على نحو عالٍ من الاسترسال والوضوح في بث موصلاته الشخصية(شخصية الفنان نفسه) متمثلة- ايضا- بنزوع مجموعة من الموصلات الإجرائية التي أتبعها(عماد عاشور) عمدا في توضيح مقاصده الابداعية،وهو يعيد- بمعنى وآخر- عظمة روح الفنان الراحل الكبير(اسماعيل فتاح الترك) الذي ترك أرثاً كبيراً بعد أن انتهج سُبل عـدة واجترح أكثر من مسلك للسير في رسم وتحديد خارطة طريق لهذا النوع من الانهماك في ابتكار هيئات لوجوه وأقنعة،الزمت شروطها الآخرين من الفنانين من بعده( ومن مختلف الأجيال) حقيقية واجب الانتباه والتركيز لمن سيغريه هذا السحر ويداهمه هذا المس في تلمس الطريق اليه كما فعل (عاشور)،ولكن برؤيا وفكر آخر،تمثل في قدرة استفاضته في(نحت) وجوهه بالرسم واللصق(الكولاج) وباستخدام (الاكريلك) عبر تمرير جملة من العلاقات الانسانية واللحظات الصادقة والخاصة،كتلك التي تشي بعذوبة ولذة ذلك الحب المتسامي مع نصوع ذاته العاشقة وذوات من يستحق ذلك العشق الخالص،ومقتضيات التأثير القصدي وتجاوز نزعات التقليد،سمواً بذاته وبراعة تطلعاته في امساك خيط اللحظة وحدسها المرهون بصدق النوايا واتساع الرؤية باتجاه تأكيد مساعيه التشكيلية على منوال ما أختار من موضوعات ومعالجات وتنويعات،ميزت أفقه،وافصحت عن بلاغة تعبيريه خاصة،وأوضحت الكثير من نواحي وسبل توصيف فروقات (التأثير) الحرفي عن معنى مرامي(لتأثر)الحي و(الديناميكي) وصولا للتميز والاعتزاز بجهود تلك الذوات الحالمة بالنزوع الى التفرد.
وجوه (عماد عاشور) تمتلك خواص أبعادها الدرامية وانساقها الروحية،وثقة إرادتها التلقائية في محراب التأمل وسمة الانهماك بمزج مشاعر واحتكامات توضيحية أصيلة بمقاصها وتفهماتها الوجدانية،بل هي قادرة- أيضا -على تمثيل وعيها باليومي والشعبي والمحلي وفق فهم تلك الاحتكامات التي مهدت لهذا العرض المتداخل مابين العام (المجتمع) وما بين الخاص(الفرد-الفنان)،وصححت من فحوى قيمة الفن في مداوة الذات والوطن على حد ذلك التطهير النفسي لمباهج الروح التي تسكن وجدانات تلك الوجوه الساهمة بصمتها... ولحظات تمرها...وغنى ساعات تأملها في البحث عن خلاص ينهي مسببات حيرتها وتداعيات قلقها وتحديد حدود أحلامها التي ضاقت ذرعا بتحقيق و لو بجزأ يسر منها،من هنا تنشط رغبات هذا الفنان الذي سبق وأن اقام معارض عدة في عدد من المدن الاوروبية والعربية فضلا عن معارض داخلية في بغداد وبابل ونال من الجوائز والاستحقاقات المعنوية بما يعزز من ثقتنا المتنامية بوضوح موهبته،وفرادة ميوله وتنويعات أساليبه منذ معرضه الشخصي الأول(تخطيطات) عام 1977 في بغداد ومعرض الملصق(البوستر) في البصرة 1986 ومن ثم توالي بقية انشغالاته واسهاماته وصولا الى هذا المعرض،الذي تلامست فيه الخبرة وفصاحة استعادة تلك الاحلام والتصورات عبر مهابة تفويض الصمت كمبلغ ومحرض (ضمنا وعلنا) للكثير من الاستذكارات والتمهيدات والاستفاضات التي عمقت من مسار تعابير الوجه وتقديسات أحزانه ومباهجه في آن واحد،ومن خلال قدرة الفنان على تطويع مهاراته الادائية بشيء من اللعب الحيوي والسرعة المبهرة التي تغفو لتفيق على تسلل فكرة تلو فكرة اخرى،سرعان ما تتوالد من رحم ذلك النسق المتفاقم جراء تناسل الافكار وتزايد حمى المعالجات التي اتبعها (عماد عاشور) في ترسيم مشاهدته عبر كثافة اللون كمعادل موضوعي لنفس وكمية الحس الدراما الذي يتنازع مع تصارعات حركات الظل والضوء في تناسق تارة وتضاد تارات أخرى شاء لها أن تكون مشفوعة بضخ سيل من التعابير الموحية وتثبيت الملامح عبر تغيير محاجر العيون أو تبديل أماكنها،بما أعطى دفقات أضافية لقيمة الصمت وصحة الرهان على بلاغته- في أحايين كثيرة- للتعبير والاختصار كتعويض حسي- نفسي- درامي،قد يكون أبلغ من تأثير الكلمات،ليس من خلال هيمنة الصورة،فحسب،بل من خلال جملة من التأثيرات والتنويعات التي استدعتها ذائقة الفنان لكي تفوز بلذة تطويع المتاح من الافكار والذكريات والامنيات لصالح فهم عام ومشترك لتأثير الوجه البشري كبوابة أو مدخل أولي لمجمل ما يسكن الروح،فالوجه لم يعد مجرد قناع أو طرف هامشي محايد،بل هو أمتداد ونبوغ ومثابة كبيرة وعلامة عامة لمعني الوجود الكوني للانسان ... الانسان بالذات...كونه مركز الكون،بلا أدنى تراجع أو شك مقصود،قد يشتت من أثر وأهمية نقطة الارتكاز التي يقف عليه العالم،وما محاولات وخلاصات معرض(عماد عاشور) هذا، إلا جانبا تأكيديا آخر لهذا الانحياز الحتمي لعظمة وعلو شأن الانسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram