اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > عمارة الضريح الملكي: تنويع المفردات الحضرية

عمارة الضريح الملكي: تنويع المفردات الحضرية

نشر في: 25 أكتوبر, 2013: 10:01 م

ثمة مبانٍ جديدة في وظيفتها، وفي مقياسها ومقاسها، وبالطبع جديدة في عمارتها، ظهرت، فجأة، إبان العقد الثلاثيني من القرن الماضي، العقد الحافل بمثل تلك الابنية المشيدة، كي تلبي وظائف عديد المؤسسات التي استلزم وجودها متطلبات واقع الدولة الحديثة، وضرورات ال

ثمة مبانٍ جديدة في وظيفتها، وفي مقياسها ومقاسها، وبالطبع جديدة في عمارتها، ظهرت، فجأة، إبان العقد الثلاثيني من القرن الماضي، العقد الحافل بمثل تلك الابنية المشيدة، كي تلبي وظائف عديد المؤسسات التي استلزم وجودها متطلبات واقع الدولة الحديثة، وضرورات التأسيس، فإضافة الى نوعية الابنية، المعروفة نوعا ما، كان مشهد البيئة المبنية زاخراً بأنواع من المباني والمنشآت، التي لم تكن مألوفة وظيفيا، او انها غريبة عن مكونات التخطيط الحضري المتواضع في مفرداته. من ضمن تلك الابنية، مبنى "الضريح الملكي" بالاعظمية، الذي يتحدد تاريخ تصميمه وتنفيذه بين سنة 1934- 1936. والذي أشرف على تصميمه ونفذه المعمار" جون بريان كوبر" (1899- 1983) J.B. Cooper(ثمة اعتقاد شائع لدى كثر من المعماريين المهتمين في عمارة الحداثة العراقية ( بضمنهم، أيضاً، كاتب هذه السطور، لفترة زمنية طويلة)، بأن مصمم الضريح الملكي هو "جون كوبر"، والحقيقة التى توصلت اليها مؤخرا، بعد استقراءات عدة وقراءة نصوص ووثائق متنوعة، من ان "كوبر" أشرف على تنفيذ المبنى، الذي سبق وان اعدت مخططاته حتى قبل وصول كوبر نفسه الى العراق. ولعل هذه الواقعة دفعتني، لاحقاً، الى اعادة النظر بـ "حقيقة" اسم المصمم لهذا المبنى المهم في المشهد المعماري البغدادي خاصة والعراقي بوجه عام. واعد القارئ، هنا، بأني سأكتب مستقبلا عن إشكالات صاحب التصميم، وهو معمار انكليزي آخر، عمل في دائرة المباني العمومية وقتذاك، وصمم هذا المبنى الممّيز".
اُختير موقع مبنى "الضريح الملكي" في مكان بناية "الصرح المركزي" نفسه العائد الى مجموعة مباني جامعة "آل البيت" (التي لم تنفذ في حينها).ويعــد اختيار هذا الموقع، موفقاً جداً، من الناحية التخطيطية ضمن معايير التخطيط الحضري. فالضريح يمثل النقطة النهائية للشارع الممتد أمامه الأمر الذي يكسبه موقعاً حضرياً متميزاً من نقاط مختلفة وعلى طول امتداد الشوارع التي تحيط به، واذا كان هذه هو الحال في اختيار الموقع فان لغة عمارة المبنى بصورة عامة عكست النزعات الكلاسيكية والتقليدية لتوجه المعماريين الانكليز العاملين في العراق وأساليبهم آنذاك.فالتكوين المعماري لمبنى "الضريح الملكي" لا يراعي، بل لا يكترث للتطورات المختلفة التي حدثت في العمارة العالمية في ذلك الوقت. فالمصمم يستعير لمبناه، هنا، بعض عناصر العمارة العربية، بيد أنه يستخدمها بصورة آلية ونصية؛ وبالانماط ذاتها التي استعملها المعمار العربي قبله بمئات من السنين؛ من دون الآخذ بنظر الحسبان التحولات الجذرية التي طرأت على اساليب العمارة، والتقدم التكنولوجي الذي شمل طرق الانشاء ، بيد ان عمارة المبنى، مع هذا، ما انفكت قد احتفظت برصانتها المهنية، وجلالها التصميمي.
يتألف المبنى من (3) أقسام رئيسة، ذات أشكال اسطوانية مسقفة من الاعلى بواسطة القباب؛ وهذه الاجزاء متصلة في ما بينها بوساطة ممرات مسقفة، مفتوحة الجانبين، ويبلغ ارتفاع القسم الوسطي العالي (22.5) متر – ما عدا ارتفاع المبخرة، التي في القمة اذ يبلغ ارتفاعها مع قاعدتها ثلاثة أمتار تقريباً (جميع المقاسات الواردة في النص، هي مقاسات ميدانية قمت بها شخصياً مع طلابي في اوقات مختلفة، لكن اهمها تلك التى أجريتها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي). ويمثل هذا القسم مركز التصميم ونواته الاساسية؛ والذي يقع على امتداده الطولي، مدخلان رئيسان للضريح، في حين يصل ارتفاع القبتين اللتين تقعان على جانبي القبة المركزية الى (12) متراً عولجت الجهة الشرقية من المبنى بنوع من البذخ الظاهر تتناسب مع وظيفتها وأهميتها كونها الجهة الاساسية لمدخل الضريح. فالباب الرئيس محاط بايوان كبير ذي ارتفاع أعلى من ارتفاع الرواقين الممتدين على جانبيه. ان هذه المعالجة المعمارية لباب الضريح تذكرنا بمعالجة مدخل المدرسة المستنصرية ببغداد (1233) فهنا في الضريح، كما في المستنصرية، نرى ذات المبادئ الاساسية في معالجة تصميم المدخل من حيث إحاطة الايوان العالي بالباب الرئيس والتركيز عليه، من خلال ارتفاعه الشاهق مقارنةً بمستوى ارتفاع الجدران الممتدة جانباً؛ وكذلك في استعمال نوعية الزخرفة الآجرية وأساليبها.
يؤدي المدخل مباشرة الى القاعة المركزية الدائرية، التي تحيط بها، من الداخل، اثنتا عشرة فجوة عميقة في الجدار على شكل محاريب (Niche) بعرض نحو (170) سم وبعمق (200) سم تقريباً. واكسيت ارضية القاعة بطبقة من المرمر الابيض وتتفرع من مركز القاعة الذي عمل على شكل نجمة ذات اثنتي عشرة زاوية، خطوط شعاعية متقطعة معمولة من قطع المرمر الاسود، تؤدي الى مركز التجويفات "المحاريب". وسقفت القاعة المركزية من الاعلى بقبة من الآجر؛ في حين عملت فتحات نوافذ مزدوجة تحيط بحذاء القبة من الاسفل.تقع على محوري المبنى أربع ابواب متشابهة المعالجة والتفاصيل من الداخل؛ يؤلف احدها، باب المدخل الرئيس- كما ذكرنا سلفا- والثاني باباً للخروج، أما البابان الآخران فهما يؤديان الى الممرين المسقفين المكشوفي في الجانبين واللذين يصلان القاعة المركزية بالقاعتين الاسطوانتين الواقعتين على يمين وشمال القاعة الرئيسة، والمخصصتين لمرقدي الملكين فيصل الاول وغازي الاول (يقع جناح مرقد الملك فيصل الاول في القبة الجانبية التي تقع على يمين الداخل؛ وفي الجناح نفسه دفنت بجواره زوجته الملكة "حزيمة"؛ في حين يقع جناح مرقد الملك غازي في القبة على يسار الداخل، وقد اضيف اليه، لاحقاً، مرقد ابنه، الملك فيصل الثاني. أما القاعة المركزية فقد دفن "الملك" علي وابنتاه الاميرة "جليلة" والملكة "عالية" (زوجة الملك غازي وأم الملك فيصل الثاني) ودفنا جعفر العسكري ورستم حيدر في الفناء المكشوف الايسر؛ كما دُفنت مربية الملك غازي في الفناء الايمن.
تثير الاهتمام المعالجات المعمارية التي اتبعها المهندس في تصميم القاعة المركزية، فـالمعمار يختزل ادوات لغته التصميمية حد البساطة المتناهية واحيانا يصل بها حد الصرامة، سعيا لخلق فضاء معماري مليء بالرهبة والحزن يتلاءم مع الموضوعة التي بصددها وهي مكان لمرقد الموتى! وهو يصل الى قوة التأثير هذه من خلال الجو اللوني للقاعة، الذي يعتمد اساساً على تضاد لوني الارضية المرمرية: الابيض والاسود ولون الطابوق الباهت الاصفرار، كذلك استغلاله للضوء القليل "المسكوب" من النوافذ العليا؛ فضلاً عن اختصاره للعناصر التزينية التي يستعملها داخل القاعة: فالزخرفة الآجرية ذات الخطوط المائلة الديناميكية تقتصر فقط على قاع التجويفات وتتضاد مع خطوط رصف الطابوق الافقية الحادة والقاسية.يوظف المصمم خاصية التناسب Proportion لعناصر "الانترير" الداخلي لزيادة التأثير على المشاهد في الشعور بالسمو الروحي، داخل القاعة المركزية. فالتجويفات "المحاريب" الممتدة طوليا الى الاعلى، واشكال اقواسها المدببة والاختيار الموفق لتناسب عرضها القليل نسبياً (170) سم مع ارتفاعها العالي الذي يصل الى (11.00) متراً تكشف سعياً واضحاً من قبل المصمم على تأكيد سيادة وسيطرة الخطوط "الفرتكالية" لجميع عناصر المنظر الداخلي؛ بغية، تأكيد الاحساس بالصعود وتأشير الوعي بـ "المعراج"، وهو امر يعيد الى الذاكرة خصائص المعالجات الفنية والمعمارية التي استخدمها معماريو عصر "الكوثك" سابقاً، للوصول الى ذات الاهداف والمرامي، بيد أن هذه اشكال العناصر هنا، في الضريح الملكي "مقروءة" عربيا اذا صح التعبير!
يعتمد المصمم بخلقه للمعالجات الفنية –المعمارية للواجهة الامامية "الشرقية" كما هو الحال في الواجهة الغربية- اذ انهما متشابهتان تقريباً- يعتمد في ذلك على سلسلة من العقود المحمولة بواسطة أعمدة مزدوجة؛ والتي تغطي الرواقين الممتدين يميناً ويساراً. والجدير بالذكر أن هذين الرواقين –والرواقين الموجودين في الجهة الغربية- لا يفصلان فضاء مغلقاً وراءهما كما هو مترقب؛ بل أن ثمة فضاء مفتوحاً على شكل فناء يقع خلف الجدران الصماء. ان هذه المعالجة غير المتوقعة، من المصمم، تجعل الفضاء المفتوح والمحصور بين جدران الاروقة، ذا أهمية تكوينية مانحة إياه خاصية الكتلة Mass؛ والتي تعيد الى الاذهان صواب مقولة أحد المعماريين المعاصرين، وهو لويس كان، من أن "الفراغ أحيانا بيد المعمار، يمتلك صفة ثلاثي الابعاد، اذا ما عولج بشكل مناسب". واخيراً فان مصمم الضريح يكسب مبناه "مناخاً" لونيا تقليديا ومعبرا؛ يتأتى من إكساء القباب الثلاث باللون الاخضر الشذري، ومن المعالجات اللونية المستخدمة في اقواس الاروقة، فضلاً عن حصوله للون الأصفر الباهت المتأتي من شكل الطابوق المحلي الذي يتركه ويظهره من دون أية معالجة إضافية أخرى.و تبقى عمارة مبنى "الضريح الملكي"، برغم لغتها " الكلاسيكية"، تشكل حدثاً مهماً في المشهد العمراني البغدادي، مثلما اضافت عمارته الى بيئة بغداد المبنية، نموذجا معماريا جديداً، جديرا بالاهتمام.
شغل "جون بريان كوبر" (المولود في 25 أيار 1899، والمتوفى في 19 كانون الاول 1983) منصب معمار الحكومة في دائرة المباني العامة، عام 1935. وصمم الكثير من المباني المهمة في بغداد، بضمنها كلية الهندسة (1936)، في باب المعظم، ودار المعلمين الابتدائية والقسم الداخلي فيها في الاعظمية (1937)، بالاضافة الى تصميمه بيوت سكن النخبة البغدادية، فقد صمم دارة نوري السعيد في الوزيرية (1936)، ودارة نصرت الفارسي (1937) في الوزيرية ايضا. ثم ترك العراق في سنة 1937، واستدعي في الخمسينات من قبل مجلس الاعمار لتصميم اهم مبنيين نفذا وقتذاك، وهما " البلاط الملكي" في كرادة مريم (القصر الجمهوري لاحقا) 1953-1958، ومبنى "مجلس الامة" المجلس الوطني لاحقاً في كرادة مريم ايضا (1953-1958) بالاضافة الى تصميمه مبنى مصرف أهلي في شارع المصارف ببغداد بالخمسينات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram