TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أبو وسيلة

أبو وسيلة

نشر في: 25 أكتوبر, 2013: 10:01 م

لكثرة استخدامه مفردة الوسيلة في احاديثه مع الأهل والأصدقاء والمعارف في اطار جهده التنظيمي لحثهم على اعتناق مبادئ حزبه الديني ، حمل الرجل كنية "أبو وسيلة " فلازمته حتى هذه اللحظة، على الرغم من تركه العمل السياسي منذ سنوات طويلة ، استجابة لنصيحة زوجته بالابتعاد عن هذه المغامرة ، حفاظاً على سلامته أولاً والأسرة ثانياً ولاسيما ان العديد من زملائه اعتقلوا وبعضهم توجه الى دولة جارة للتخلص من ملاحقة السلطة .
أبو وسيلة بدأ نشاطه السياسي بإلقاء محاضرات على رواد مقهى في منطقة الكاظمية بداية عقد السبعينات من القرن الماضي ، واعتاد ان يستهل حديثه بعبارة "خير وسيلة لتحقيق العدل والإنصاف التمسك بالشريعة ، وخير وسيلة لمواجهة التصحر والجفاف للحفاظ على الثروة الزراعية والحيوانية القيام بصلاة الاستسقاء ، وخير وسيلة لضمان نجاح الزواج الارتباط بامرأة صالحة تعرف دينها بشكل حقيقي ومن نسل مبارك ، لايوجد بين أهلها من تناول المنكر(يقصد الخمر) ،و فضل ارتكاب الموبقات فخسر الدنيا والآخرة ."
الاسترسال في الحديث في البحث عن افضل وسيلة كان سبباً مباشراً للشعور بالملل والضجر ، وللخروج من دائرة الرتابة بهدف التخلص من ثقل النصائح ، يطلب احد الحاضرين من القهوجي إحضار (الدومنة) للعب "الآزنيف" فينتفض أبو وسيلة غاضباً ، لان محاضرته لم تستطع التأثير في أدمغة المصرين على اللهو فيضطر لمغادرة المقهى رافضاً الاستجابة لدعوات البقاء واحتساء الشاي على حساب الخاسرين بلعبة الآزنيف ، لأنها نوع من القمار، وخير وسيلة لتركها التوجه الى أعمال تضيف المزيد من الحسنات لرصيد الشخص المؤمن .
استخدام السلطة في ذلك الوقت العين الحمراء في مراقبة نشاط الحركات الدينية تحت شعار ملاحقة أعداء الحزب والثورة ، جعل أبو وسيلة يعيش حالة من الصراع النفسي فبين رغبته في مواصلة العمل النضالي ، وإلحاح الزوجة بالتفرغ لرعاية العيال ، حسم الموقف بترك التنظيم ، مفضلا السير بجانب الحايط بوصفه افضل وسيلة للتخلص من احتمال التعرض لعواقب وخيمة ، ولاسيما انه فقد الاتصال بجماعته ولم يعرف مصيرهم ، ولكي يبعد الشبهات عنه ، اخذ يتردد على مقهى الطرف للعب الطاولي و الدومنة بأنواعها العدلة والازنيف والطيرة والبقرة ، لأنها افضل وسيلة من وجهة نظره للتخلص من الاعتقال بارتداء قناع جديد لم يسعفه في تفادي الحرج من تساؤلات رواد المقهى عن افضل وسيلة للانتصار على العدو الصهيوني.
بعد العام 2003 وتحت "تأثير الأجواء الديمقراطية" أبدى الرجل على الرغم من كبر سنِّه استعداده للعمل السياسي بإعادة ارتباطه بحزبه القديم لكنه واجه صعوبة في تحقيق رغبته لأنه لم يكن قيادياً ، وتحركاته في زمن العمل السري لا تتعدى حدود المقهى ولم يتعرض للاعتقال ، ففشلت محاولاته في الحصول على منصب ، فيما استطاع غيره اقل منه شأنا ودوراً في المعترك النضالي ان يحتلوا الواجهة سواء بشغل مقعد في مجلس النواب او مناصب حكومية ، فاخذ يندب حظه كأفضل وسيلة للتخلص من معاناة لم تخطر في باله .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram