بين تصريح الرئيس السوري، بأنّ فرص نجاح مؤتمر جنيف الثاني غير متوفرة، وإعلان وزارة خارجيته عن الاستعداد للمشاركة في المؤتمر العتيد، والعمل على إنجاحه دون شروط مُسبقة، أو أيّ تدخل خارجي،، تتضح الصورة التي تتبناها موسكو، حول أنّ رؤيتها هي فقط الصالحة للتداول، بانتقادها مخرجات اجتماع أصدقاء سوريا، واتهامها المجتمعين بمحاولة إعادة النظر في بيان جنيف الأول وحسم نتائج جنيف الثاني مُسبقاً، وأنّ وثيقة لندن تُحدّد تغيير نظام الأسد كهدف رئيسي، وتعتبر الائتلاف الوطني الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، وتهدد باللجوء إلى جميع الخيارات بما فيها استخدام القوة العسكرية للتأثير على من ينتهك قرارات لندن، ما يُعَدّ أمراً غير مقبول إطلاقاً، ورددته دمشق بالتأكيد على أنّ الشعب السوري هو المعني حصرياً باختيار قيادته، وأنّه لن يُسمح لأي طرف خارجي بمصادرة هذا الدور.
مقابل ذلك تعيش السياسة الأميركية حالةً من الارتباك، وهي تمارس مصلحية لا إنسانية، حين تقرر أن لامصلحة لها في وقف العنف في سوريا، وحين يرى كبير موظفي البيت الأبيض أن القتال بين حزب الله والقاعدة على الأراضي السورية، قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة، وأنّ الوضع في سوريا يمكنه أن يبقي إيران منشغلة لسنوات، ما يفسر فعلياً تسريبات سابقة، عن موقف رئيس الأركان مارتن ديمبسي، بأنّه لا مصلحة اميركية لترجيح كفة أي من الفريقين المتحاربين في سوريا، في وقت يُمارس فيه الرئيس أوباما متعة الاسترخاء، مُعتقداً أن الأزمة السورية ورطة من الأفضل له الابتعاد عنها، وهو يصف سوريا على أنّها إحدى المشاكل من الجحيم التي يواجهها كل رئيس، وأنّ المخاطرفيها لا نهاية لها، فيما كل الخيارات الأميركية سيئة.
دول الجوار السوري لم تعد قادرة أو راغبة بالتأثير في مجريات الأحداث، بمقدار ما تحاول تلافي أضرار الشرر المتطاير عند حدودها، وتأمين ظروف العيش لمئات آلاف اللاجئين، حتى لو كانت ظروفاً غير لائقة، والمعارضات السورية مُنقسمة بين الداخل والخارج، وتتبادل الاتهامات، بينما المُعارضات المُسلحة تتفرغ لمقاتلة بعضها البعض، وتخترع كل واحدة منها عدواً لها غير النظام، الذي يُهدد العالم بأن تنظيم القاعدة هو من سيملأ الفراغ في حال سقوطه، وبما يعني تكرار ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا في سوريا، ما يُدخل المنطقة برمتها في مرحلة طويلة من الفوضى والعنف، وأن هذا سوف يهدد إسرائيل، ويشكل خطراً كبيراً على المصالح الغربية، في هذه المنطقة الستراتيجية المُلاصقة لأوروبا.
أصدقاء سوريا، تخلوا عملياً عن مواقفهم السابقة الداعمة للمعارضة السورية، والاعتراف بها ممثلاً وحيداً للشعب السوري، وبدأوا البحث عن مُسوّغات لهذا التراجع، بالحديث عن خطر الإرهاب - وهذا ما خطط له النظام -، وعن عدم توحد المعارضين، مع قناعتهم بأنّ تاريخ الثورات العالمية كلّها، لم يخلُ من تعددية، كانت مُؤخراً واضحة في الثورتين الجزائرية والفلسطينية، لكنها لم تكن قاتلة، حيث توحّد جميع الثوار الجزائريين تحت مظلة جبهة التحرير، برضاهم أو رغم أنوفهم، وشكّلت منظمة التحرير الفلسطينية غطاءً مقبولاً ومعترفاً به، للتباينات بين فصائل الثوار المختلفين عملياً، على الأسلوب والنتائج المتوخاة من ثورتهم ، هؤلاء الأصدقاء يعملون اليوم على جر المعارضة السورية، إلى مصيدة "جنيف 2" إن انعقد على أساس المفهوم الروسي، ودون تحديد واضح لجدول أعماله.
بين لاءات بعض المعارضة الخارج، ورؤية النظام المؤيدة من موسكو لمآلات المؤتمر، وبين الموقف الاميركي المُرتبك والغربي المتخاذل، هل ننتظر شيئا من انعقاد مؤتمر جنيف؟ هذا إذا انعقد، في حين يتواصل نزيف الدم السوري وتمضي الدولة السورية في طريقها لأن تكون دولة فاشله.
جنيف بين لاءات المعارضة وموافقة النظام
[post-views]
نشر في: 25 أكتوبر, 2013: 10:01 م