اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > جريمة من الذاكرة: غاب صديق العمر !

جريمة من الذاكرة: غاب صديق العمر !

نشر في: 27 أكتوبر, 2013: 10:01 م

بغداد / المدى كنت أراه في كل يوم مرتين .. وفي كل مرة كنت أبتسم له ابتسامه شكر ورغم زحام الشارع بالسيارات ورغم انهماكه في عمله.. كان يرد الابتسامة بأخرى عذبة حنونة مملوءة بالحب . لم يكن يمر يوم دون أن أراه في ذهابي للدوام وفي عودتي منه.. يوم واحد

بغداد / المدى

كنت أراه في كل يوم مرتين .. وفي كل مرة كنت أبتسم له ابتسامه شكر ورغم زحام الشارع بالسيارات ورغم انهماكه في عمله.. كان يرد الابتسامة بأخرى عذبة حنونة مملوءة بالحب .

لم يكن يمر يوم دون أن أراه في ذهابي للدوام وفي عودتي منه.. يوم واحد كانت تغيب فيه ابتسامتنا المتبادلة .. يوم الجمعة .. يوم عطلتي الرسمية.. وفي كل يوم كنت أمر عليه كنت أحاول أن أبادله أي حديث قصير ... بضع كلمات .. أسأله فيه عن اسمه .. نتحدث معاً في أي شيء في الثواني القليلة التي كانت تجمعنا فيها إشارة يده للتوقف وفتح السير في الاتجاه المعاكس ..لكن الفرصة لم تواتني يوما ..وخانتني الشجاعة مرات كثيرة بسبب انشغاله وانهماكه في عمله.. فهو مسؤول عن تقاطع مهم لسير السيارات..

لذلك كان دائم الانشغال والانهماك .. وخجلت من نفسي لأنني حاولت ان أشغله عن عمله دون قصد .. كان فيه شيء غريب يشدني إليه..تلك الابتسامه الحنونة .. الجسم الرياضي .. خفة الحركة ..الرشاقه.. اليقظة المستمرة .. الانتباه الدائم ..سرعة البديهة..حسن التصرف . فهو عندما ينظم المرور كان دائم الحركة بين يديه وجسده وعينيه ..رأيته في احدى المرات يساعد رجلا مسناً تعطلت سيارته في وسط الشارع رأيته يساعد الرجل على إصلاحها..والرجل مرتبك خجل بسبب تعطيله لحركة المرور ..لكن الشرطي الصديق كان يلاطف الرجل بضحكات وابتسامات لطيفه تقلل من خجل الرجل بل وساعده في دفعها لشارع فرعي بجانب الرصيف.. عجبت للإنسانية الموجودة فيه ..كنت أحس ان هذا الشرطي مليء بحب كبير لكل الناس .. مليء بعطف شديد على كل من يحتاج المساعدة.. كنت احس بالأمان عند عبوري عليه .. كنت أشفق عليه وهو يعمل في حر الشمس ولهيبها في عز تموز وهو لا يبالي ،كل همه تسهيل المرور حتى يصل كل منا إلى منزله سريعا ليتمتع ببرودة المكيف .. وفي إحدى المرات كدت أصرخ في وجهه..يا صديقي قف تحت المظلة لتحتمي من هذه النار المسلطة عليك..لكني كنت اخشى ان يسخر من مشاعري الرقيقة المرهفة .. التي ترفض تحمل المشقة في العمل .. حتى في برد الشتاء القارس أيضا تراه موجودأً في مكانه متحملا لسعة البرد المهلكة بصبر عجيب لا تملك حياله سوى الإعجاب لقوة تحمله وحبه للعمل. كنت قد تعودت على رؤيته كل يوم . . وفي إحدى المرات لم أره في مكانه .. بل رأيت شرطياً غيره..تملكني الخوف عليه. . 

أين صديقي ؟ أين ذهب ؟ لماذا لم يعمل اليوم ؟ هل هو مريض أم في إجازة؟ إذا كان في إجازة فسوف يعود غدا.. أو بعد غد .. اسئله كثيره دارت في ذهني .. خوفي عليه اضحك صديق لي كان معي بالسياره .. سخر مني اتهمني بالرومانسيه الشديده.. لم يكن يدري كم هي مشاعري تجاه هذا الصديق .
في اليوم التالي خرجت مبكرا.. اريد ان ارى الصديق , لكن ايضا وجدت زميلا اخر له يقف في التقاطع وينظم حركة المرور .. فكرت ان انزل للشرطي اسأله..لكن تملكني الحرج .. خشيت ان يسألني زميله من انا ..ولماذا اسأل عنه.. هل هناك شيء بيننا .. لذلك تراجعت عن الفكرة وقلت لنفسي لأنتظر غدا فرما يعود.. وذهبت لعملي والحزن يتملكني .. سألني صديقي هل عاد صديقك الشرطي للعمل ..فأجبته بالنفي ..ضحك مره اخرى سألني ما اسمه .. فقلت له لاادري .. اخذ يضحك ويردد لي ..هل تصادق رجلآ دون ان تعرف اسمه ..فكرت في لحظات ضعف ان اشرح له طبيعة علاقتنا وصداقتنا ..لكني خشيت ان يسخر مني مره اخرى ..فعدلت عن ذلك .. ومر علي الدوام حزينا بطيئآ .. سئلت نفسي مرات كثيره هل انا عاطفي رومانسي كما قال صديقي ..ام انني رجل طبيعي في عواطفه لدى الناس ..لكن قلقي على صديقي الشرطي لم يعطيني فرصه للتفكير في طبيعة هذه العلاقه ..وخرجت بعد انتهاء الدوام ومررت بتقاطع المرور في طريق العوده لكن عيناي لم تستيطع النظر فيها طويلآ.. لاادري لماذا ..مجرد لمحه خاطفه القيتها على مكانه المعتاد ..وايضا لم اجده في مكانه .. كان لدي مجرد امل ان يكون دوامه بعد الظهر, لكن رجائي قد خاب في صباح اليوم التالي عبرت التقاطع ..ركنت سيارتي بعيدا عن الطريق ..سرت مترجلاً كي اسأل زميله الشرطي .. الخوف يتملكني .. لماذا أنا خائف.. انه في إجازة.. أو نقل إلى مكان آخر ..لماذا هذا الخوف يعصرني .. هل أتراجع ولا أسأله .. لا أنا مصمم على ان أواجه هذا الموقف .. سرت مرتبكا.. اقتربت من زميله.. ها قد حانت لحظة المكاشفة.. الشرطي ينتبه لي .. بادرني بابتسامة باهتة .. ثم حياني وسألني أي خدمة.. سألته عن زميله الذي كان يقف مكانه ..تغير وجهه وتملكه الحزن.. حاول ان يداري وجهه عني .. تشاغل عني بإعطاء إشارة للمرور .. اخذ يشير للسيارات المارة ان تسرع بالمسير.. يداه مرتعشتان.. تصرفاته وحركات يديه أصابتها العصبية.. سألته مرة أخرى .. أين زميلك .. أين الصديق .. لم أره منذ بضعة أيام ..نظر إلي الشرطي طويلاً .. ماذا تريد منه ؟ عاجلته بإجابتي القلقة ..أريد ان أطمئن عليه .. دمعت عينا الشرطي .. تغيرت ملامحه.. نظر إلى الأرض ..توقف قلبي من النبض .. يا للمصيبة .. ماذا حدث له .. أهناك مكروه ألمّ به ..عاجلته بسؤال آخر ما سر صمتك .. هل هو في مأزق .. إني مستعد لمعاونته .. إنه صديقي لا تخشى ان تقول لي ما ألمّ به .. نعم لم نتحدث معاً بالكلام ..لم نتطرق معاً في موضوعات شتى .. لم نقم بالتزاور مع بعض مثلما يفعل الأصدقاء .. لكن كل ذلك لا يمنع من انه صديقي .. أجبني بالله عليك .. خرجت الكلمات من صديقه الشرطي كالصاعقة علي .. كان يقوم بواجبه كعادته كل يوم ينظم حركة المرور بنشاطه المعهود .. ورغم سقوط المطر وقف وسط الشارع والمطر ينهمر عليه غير عابئ بشيء إلا قيامه بواجبه.. حتى جاءت سيارة مسرعة ورشقته بعيارات نارية .. فسقط على إسفلت الشارع وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. استشهد الصديق .. غابت الابتسامة الحنونة المرحة التي أقابلها كل صباح.. غابت الإنسانية . . لم أرد على الشرطي .. عدت أدراجي .. ودموعي تتساقط تبكي الصديق الوفي ..ذهبت إلى دائرتي .. سألني زميلي في العمل .. ماذا حل بك ؟ قلت له : مات الصديق .. نظرت إليه كي أرى ضحكته الساخرة من تلك الصداقة.. رأيته يبكي هو الآخر رغم انه لم يره إلا مرة واحدة لم تستمر ثواني. عدت ظهرا.. مررت على تقاطع الساحة..دمعت عيناي .. ملعونة أنت يا إشارة..فقد فقدت عندك أغلى صديق ..سأغير مساري .. وأسير في أي طريق.. لكني دوما سأرى وجه الشهيد علي !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القبض على عشرات المتسولين والمخالفين لشروط الإقامة في بغداد

لهذا السبب.. بايدن غاضب من صديقه اوباما 

في أي مركز سيلعب مبابي في ريال مدريد؟ أنشيلوتي يجيب

وزارة التربية: غداً إعلان نتائج السادس الإعدادي

التعليم تعلن فتح استمارة نقل الطلبة الوافدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram