حازم مبيضين وأخيراً، وبعد مائة وثلاثين يوماً من المشاورات، أعلن الشيخ سعد الحريري تشكيل حكومة وحدة وطنية، متحدثاً عن صفحة جديدة في تاريخ لبنان، ومبدياً أمله في ألا تكون الحكومة التي تشكلت وفق صيغة 15 وزيرا للأكثرية وعشرة للمعارضة وخمسة لرئيس الجمهورية الذي يفترض فيه لعب دور الحكم ساحة مناكفات،
وبما يشكل استمراراً لمواقف الجنرال ميشال عون حول نصيبه من عدد الحقائب، ونسيبه الذي أصر على توزيره رغم سقوطه في الانتخابات النيابية الأخيرة، والمؤكد أن التقارب السوري السعودي، وقناعة دمشق بضرورة إقفال ملف التشكيلة الحكومية في لبنان، كان السبب الأكبر في إعلان تلك الحكومة، التي تدخلت باريس أكثر من غيرها من العواصم الأوروبية، لحسم ملفها، عبر اتصالاتها مع الرئيس السوري الذي استعجل الإعلان عنها قبل زيارته لباريس هذا الأسبوع. الخطوة التالية للخروج بلبنان من أزمته هي صياغة البيان الوزاري، الذي سيحدد موقف حكومة الوحدة من سلاح حزب الله، والمأمول أن لا يشكل أزمة جديدة تمنع الحريري من زيارة دمشق، ورغم إعلان الجنرال عون أن تياره لن يعيق صياغة البيان، فانه أشار إلى موقف الأكثرية النيابية الرافضة لسلاح حزب الله، لكنه قال إن هذه المسألة لا تعالج في البيان، ولكن في طاولة حوار لم نتبين بعد موقف الأكثرية منها، وإذا كان حزب الكتائب شريك الحريري امتعض من عدم الحصول على حقيبة التربية، ومن شكليات بروتوكولية بينها عدم لقاء الحريري بأمين الجميل، رغم اجتماعه بممثلي أحزاب أخرى، فان من غير المتوقع أن يكون ذلك بداية أزمة بين الحليفين. المأمول اليوم أن يتجاوز العاملون في السياسة اللبنانية تجارب السنوات الأخيرة، التي لم تكن مشجعة ولا ناجحة، لأن من لا يستطيع أن يتخطى الماضي، لن يتمكن أن يقفز إلى المستقبل، ومطلوب اليوم أكثر من اي وقت آخر أن تتصدى حكومة الحريري الابن الأولى، لمعالجة الدين العام، وتطلق ورشة تشريعية تفتح الأبواب أمام تحديث الإدارة ومنع الفساد، وقبل كل ذلك أن تلتزم اتفاق الطائف وتطبق كافة بنوده، وتعمل لصالح لبنان، وتؤكد نجاح التجربة اللبنانية بالعيش واحترام الدولة والدستور والقوانين، ومطلوب منها أن تنتصر ومعها إرادة الخيرين من اللبنانيين على الفتنة التي قد يسعى البعض لإيقاظها. اليوم يتجاوز لبنان أطول أزمة حكومية بعد انتهاء الحرب الأهلية فيه، لكن ذلك لم يتم بأثمان سهلة، وقد أثبت الحريري أنه رجل دولة، وذلك حين تنازل عن بعض شروطه، ليضمن أوسع مشاركة في حكومة أراد لها أن تلم شعث اللبنانيين ولو بطريقة شكلية، علها تتحول إلى برامج عملية توحد هذا الشعب، المنحاز للحياة بكل ألقها وعفويتها ومباهجها، والذي مر بتجارب مرة خلال الأربعين سنة الأخيرة، أسفرت عن تدمير جزء كبير من اقتصاده الذي كان مزدهراً، ومنعت تطوره بالصورة الطبيعية، لولا فترات من الهدوء تخللت الأعوام العجاف، التي نأمل أن تكون حكومة الحريري بداية لغيرها من الأعوام تتميز بالأمن والأمان والازدهار لكل اللبنانيين.
وأخيراً شكلها الحريري
نشر في: 10 نوفمبر, 2009: 05:29 م