2-2
في عمود الأسبوع الماضي تحدثت عن تاريخ فيلا روزينتال في مدينة يينا في إقليم تورينغين في فايمار، وكيف أنها أصبحت ملكاً لبلدية يينا، كما أنها مرت في زمن ألمانيا الديموقراطية بمراحل عديدة، عاش فيها ناس مختلفون، وأولاً في عام 2009، ولمنعها من الاندثار، عملت ثقافة يينا على ترميم البناية، وجعلها مكاناً للإقامة النصف السنوية لأديب وفنان. في صيف 2013 وقع الاختيار عليّ كأديب. لكن ما هي علاقة كل ذلك بتنظيم القاعدة، خاصة وأن عنوان العمود أشار منذ البداية إلى وجود القاعدة في هذه المدينة التي درس فيها كارل ماركس أيضاً؟
القصة ببساطة، هي أن الإنترنيت الموجود في مكتب الفيلا مرتبط بكومبيوتر المكتب الرئيسي لمكتب ثقافة يينا، في مركز المدينة، في بناية قديمة يُطلق عليها "فولكس باد"، الحمام الشعبي. في الحقيقة البنايتان بعيدتان عن بعض قرابة 4 كيلومترات، لكن كل حركة ونشاط على جهاز الكومبيوتر في فيلا روزينتال، يُسجل في مكتب ثقافة يينا. من أين لي أن أتخيل، أن طباعتي لمئة وثمانين صفحة في اللغة العربية ستثير الذعر في أروقة مكتب ثقافة يينا، فما أن رأت إحدى السيدات العاملة هناك أن أحدهم طبع صفحات عديدة باللغة العربية على طابعتهم، حتى راحت تستنجد محذرة، داقّة نواقيس الخطر الإرهابي الذي غزا البناية. كانت على يقين، أنها القاعدة لاغير، القاعدة تعمل بين ظهرانينا، تغلغلت في أروقة ثقافة يينا ونحن لا نعرف، أسمعها تولول أمام المسؤولين شاحبة الوجه، ترتعش من الخوف. ربما ظنت السيدة هذه، أن القاعدة ستهجم على البناية الأخرى المقابلة للفولكس باد، والتي تحمل اسم "إنترشوب"، التي هي أعلى بناية في مدينة يينا وعلامة المدينة الفارقة، يُمكن رؤيتها من البعيد، ربما ظنت السيدة أن القاعدة ستهجم على البناية المدورة هذه مثلما هجمت على برجي التجارة العالمي! وكاحتراز أول، أرسل العاملون في مكتب ثقافة يينا مديرة المكتب إلى البيت. الأمر واضح: لايهم، الشعب الكادح ممكن أن يقع ضحية للهجوم، لكن المديرة، المسؤولة الأولى، يجب إنقاذ حياتها قبل حياة أي أحد آخر من الهجوم الإرهابي المفترض للقاعدة! أمر مدهش بالفعل، كيف أن خطاً غريباً غير لاتيني، يُمكن أن يثير كل هذا الرعب عند إنسان؟؟!!
لا أعرف حجم الخيبة التي سيطرت على المرأة "المتيقظة"، عندما أخبروها بعد تحريات دقيقة (على أية حال أسرع من تلك التحريات التي حصلت في حالة عصابة الـ أن أس أو، التي قتلت تسعة أجانب وشرطية دون إزعاج!!!)، بأن الذي طبع الأوراق التي تحمل الخط العربي، هو كاتب، مقيم في فيلا روزينتال بمنحة من مكتب ثقافة يينا. بالتأكيد فكرت المرأة حتى تلك اللحظة، بأنها على حافة أعظم اكتشاف في حياتها: لم تعد مدينة يينا موطن الـ أن أس أو. يينا أصبحت موطن القاعدة! يقيناً فكرت، بأن كاميرات التلفزيون والصحافة ستأتي إليها، وأن الكل سيتحدث عن شجاعتها، إنقاذها لمواطنيها من كارثة كانت تدق على الأبواب. وأن يكون رجل القاعدة المشتبه به الذي ستسأل الشرطة عنه ورجال الأمن، هو ليس غير الكاتب المقيم بمنحة منها في فيلا روزا روزنتال، فذلك ما لم تفكر به السيدة أبداً. في ما يخصني، ولأنني بطبيعتي متفائل، أقول: إن ما حدث ليس سيئاً في حقيقة الأمر. ففي النهاية تعرف المرأة الآن، بأن ليس كل ما يُطبع بالعربية له علاقة بالقاعدة، ثم أن هناك أدباً مكتوباً باللغة العربية وأدباء! أما أنا، فأنا الآخر توصلت إلى اكتشاف كبير: بهذا الشكل تبدو الجنة في يينا في نهاية المطاف!
* العمود ينزل بالتزامن مع نشره في الصحيفة السويسرية نويه تزوريشيرتزايتونغ الواسعة الانتشار.
القاعدة في يينا
[post-views]
نشر في: 29 أكتوبر, 2013: 10:01 م