رغم قِصر خطابه الاحتفالي في "أسبوع النزاهة العراقية"، إلا أنه تناول فيه عدة قضايا مفصليّة خطيرة. ومع أن الموضوعات المثارة مترابطة يقود الواحد منها إلى الآخر، إلا أن لكل موضوع حرمته وفرادته، ودالته على مصائرنا التي لا نحسد عليها.لقد انتقل المالكي أبو
رغم قِصر خطابه الاحتفالي في "أسبوع النزاهة العراقية"، إلا أنه تناول فيه عدة قضايا مفصليّة خطيرة. ومع أن الموضوعات المثارة مترابطة يقود الواحد منها إلى الآخر، إلا أن لكل موضوع حرمته وفرادته، ودالته على مصائرنا التي لا نحسد عليها.
لقد انتقل المالكي أبو احمد، من ظاهرة الفساد الذي اعتبر باعثه، "سوء التربية"، و"غياب الرقابة"، وتوفر "الحريات"، إلى العلاقة بين المواطن والحكومة، مؤكداً بأريحية واقتدار، أن الشعب لا يحب الحكومة، وليس حريصاً على دعمها!
وهذا استنتاج دقيقٌ، يكفي أن ينطلق أي حاكم، حتى اذا كان في أول سلمٍ من سلالم الاستبداد، من حيثياته ويسترشد به ويبني عليه قناعات قد تدفعه، اذا كان متوسلاً أسباب الحكمة، الى اجراء مراجعة نقدية عميقة لسياسته ونهجه في الحكم، وأدواته التنفيذية. ولا يكتفي بذلك، بل قد يذهب أيضاً ابعد من ذلك، فيعيد النظر بمن حوله من المستشارين والمسؤولين عن الاخطاء والاخفاقات التي ادت الى عزل حكومته عن الشعب.
وليس من المنطق، التمادي مع التوقعات والتصوّر انه يمكن ان يقدم على اتخاذ تدابير جذرية، تعيد الاعتبار إلى الدستور والقيم الديمقراطية ومتطلبات تداول السلطة في النظام الديمقراطي، فيعترف بالفشل في ادارة الحكم، (وكل الشواهد الملموسة وغير المرئية، تؤكد ذلك)، فيستقيل من تلقاء نفسه، ويسجل بخطوته مأثرة، ليس بعدها من مأثرة. الا ان هذا التطلع اقرب ما يكون لأضغاث أحلام، او حلم ليلة صيف. فليس ممكناً في ظل حكومة لا تتوسل بأسباب التدبر والإصلاح، ويستمرئ صاحبها ومالك إرادتها إغراءات كرسي الحكم وأوهام تأبده عليه، ان يتصرف السلطان بهذه الأريحية الديمقراطية.
لم يُظهر المالكي أياً من ذلك، وشذَّ عنه الى ما يُشبهُ الطيران خارج السرب، وهو يعزو أسباب عزلة الحكومة، او حسب تعبيره "عدم حب الشعب للحكومة"، الى ما قامت به الحكومات السابقة. وهو لا يقصد بالسابقة دون شك حكومة علاوي او الجعفري، بل الحكومات الدكتاتورية التي تعاقبت على الحكم حتى التاسع من نيسان ٢٠٠٣. أو هكذا علينا أن نفترض، لأن الشعب، خلال الولايتين القصيرتين لعلاوي والجعفري، كان بادي التربص بالأمل والتفاؤل، والتشبث بإمكان الفرج وانجلاء الشدّة عنه، والمصائب عن البلاد. كما ان الاوضاع في تلك البرهتين السياسيتين، لم تنحدر الى ماهي عليه في ظل ولايتي السلطان من انحطاطٍ وتدنٍّ في كل جوانب وأسباب الأمن والعيش والاستقرار وتصاعد العسف والفساد وقضم الحقوق والحريات.
(٢)
لا يكتفي رئيس مجلس الوزراء، بإلقاء اللوم في "عدم حب الشعب للحكومة"، على الحكومات السابقة، ولا يتجرأ على القول، بان العلاقة باتت في ظل حكمه، اكثر من "انقطاع حبل المحبة والوصال بينهما"، بل اتسعت ظاهرة العزلة بينهما، الى ما يُشبه الكراهية للحكومة والقائمين عليها ورموز العملية السياسية بأكثريتهم، حيث يبلغ التذمر حد اطلاق شعاراتٍ وهتافات مجافية، ومزعجة من قبل مواطنين غاضبين، مهمشين "شيعة" في مدينة كربلاء، وليس في تكريت، مسقط رأس الدكتاتور السابق!
فاذا لم يكن المالكي، حتى اللحظة في حالة وعي بما خربه من حياة الناس، فانه مغيّبٌ دون شك عن الاخطار والتحديات التي تحيط بالعراق وشعبه، دون ان يبالي، كما يبدو من النتائج الوخيمة لسياساته المغامرة، المعزولة عن الشعب، التي هي المسؤولة عن عزلته، لا ما يسترجعه المواطنون من اعباء وكوارث الأنظمة الدكتاتورية السابقة.
وقد يكون مفيداً، إجراء مسحٍ عشوائي، لأوجه التشابه والاختلاف بين ما يقوم به هو، كرئيس وزراء "توافقي منتخب" بحكم ولاية الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً، مع رأس نظام دكتاتوري سالف، لا على التعيين، لكي لا نُؤخَذ بشبهة المقارنة المخلة.
وفي هذه المقارنة، يلزم بالضرورة الأخذ بالاعتبار، أننا نستظل بأحكام دستور أُسُتفتِي عليه الشعب، رغم الاعتراف بنواقصه، وتناقضاته، والثغرات البنيوية في متنه ومواده، مما بات يظهر مع الايام والتجربة. كذلك نأخذ بالاعتبار ان السيد المالكي، لم يستولِ بانقلاب عسكري او بعملية التفافٍ من داخل القصر على رئيسٍ او ملك، بل جاءت ولايته بمحض الصدفة، واكثر من ذلك، لدواعٍ سياسية اقتضت تنحية سلفه، ووُجِد ان الاتيان بواحد، مهما كان توصيفه، من حزبه عامل تسهيل وسلاسة لانتقال الولاية، والا لظل المالكي حبيس "لجنة الامن والدفاع" في البرلمان، التي كان يرأسها، وما كان له ان يصل الى ما وصل اليه، بكل ما يمتلك من شفاعات، لان في الاستحقاق الحزبي، عدداً وافراً من الشخصيات القيادية يأتون قبله. أما الولاية الثانية، فكانت ابعد ما تكون عنه، لولا غفلتنا السياسية، وقصورنا عن تقييم ماضي ولايته، وتجرده من أي التزام سياسي، وتحلله من الوعود والتعهدات التي تعتبر بكل المعايير، وفي ثقافة كل الامم، عنوان "الشخصية" ولا أقول الرجولة. ويكفي ذلك راهناً، دون حاجة لذكر تفاصيل وعوامل اخرى كانت في اساس تفضيله على المرشحين الآخرين من حزب الدعوة. وكان يكفي ايضاً الاستدلال على رفضه، فشله في كل مستويات العمل الحكومي والسياسي.
وفي ما عدا ذلك، فلنعدد المنجزات التي قامت بها حكومة المالكي، في اي باب من أبواب المهام التي تضطلع بها حكومة، لا فرق بين المهام الاستراتيجية او السيّارة. فخلافاً لصولته العسكرية في البصرة، التي لم تكن لتنجح دون تدخل عاجل للقيادة العسكرية الأميركية والبريطانية، ودعمٍ سياسي كلي من اطراف العملية السياسية، الشيعية والسنية، وتحسن امني نسبي، لفترة محدودة بفضل تضافر القوى السياسية لإنجاح التجربة، برعاية أميركية مباشرة... اتجهت الأوضاع سريعاً نحو التخبط والانفراد في قيادة العمل الحكومي، وفي تلغيم الحياة السياسية. ولم يشهد الوضع السياسي في الولاية الاولى أي نوعٍ من الانفراج في العلاقات بين القوى السياسية، بل شهد مناورات ولعبا على التشظي الطائفي، وتخريمٍ للضوابط التي بُنيت عليها التوافقات، وتجاوزات على الدستور ومبانيه، وتعطيلٍ لمشاريع البنى التحتية، والخدمات، وتدوير للازمات التي نالت من الحياة المعيشية والأمنية للناس.
ومنذ تسلمه موقعه في رئاسة مجلس الوزراء، استفرد بالقرارات، وبدأ دبيب الفساد الإداري والمالي ينخر في جسد الدولة ومؤسساتها، مما دفع مجلس رئاسة الجمهورية بالإجماع لتوجيه رسالة شديدة اللهجة إلى مقامه، فسارع بعدها لتقديم تعهدٍ للرئيس بالاستجابة للنقاط السلبية التي وردت في الرسالة.
وشارفت ولايته الأولى على الانتهاء، وقد أُسس لقاعدة واسعة من عناصر تفكيك العملية السياسية، وتوتير أجواء العلاقات بين القوى، وإنهاء كل شروط وضمانات احترام الاستقلالية بين السلطات الثلاث.
فاين يمكن للمواطن ان يجد توافقاً، او تواصلاً إيجابياً مع حكومة المالكي، خلافاً للأنظمة التي يحمِّلها سبب انقطاع وصل "الحب والود" بين الحكومة والشعب؟
أما الولاية الثانية، فيكفي استعراض وعود المالكي بتأمين الكهرباء والخدمات الضرورية، والأمن والاستقرار، وتتالي التزاماته بالمئة يوم ثم الستة اشهر، ولا داعي لاستعراض كل تجليات ومظاهر الانحطاط السياسي، والانحدار الذي آلت اليه الأوضاع، حتى بات العراق يتعرض الى هجمة إرهابية يومية، يفقد نتيجتها، آلاف الأبرياء أرواحهم وممتلكاتهم، وتكاد المنظمات الإرهابية المدعومة، أن تصبح هي "الدولة" النافذة في كل مسامات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
وقد تحول الفساد، كما قال المالكي حقاً، الى "قيمة اخلاقية" يتندر المواطنون الابرياء بمظاهرها وهم يتداولون وقائعها، مرددين، "ان الله يريد بهؤلاء المتلفعين باذيال الدين والمذهب، ان يجّرب ايماننا وتقوانا"!
لكن ما لم يصب بقوله رئيس مجلس الوزراء في احتفاليته بأسبوع النزاهة، هو حديثه عن "نقص التربية" الذي لا علاقة له بما جُبِلَ عليه الناس "المكاريد" الفقراء، المخدوعون بشعارات المالكي وفريق حكمه، بل لنقص التربية صلة بمن يحيطون به، ويدعمون كرسيه، ويهتفون له، كما كان فدائيو صدام وأجهزة امنه، يهتفون للقائد الضرورة، دون أن يندى له جبين.
لقد أشاعت سياسة المالكي، من بين منجزاته الأخرى، "ثقافة الفساد" ويكفي للدلالة على ذلك ترويجه لملفات فساد، وتلويحه بها طوال سبع سنوات، ليصرح بعدها، بلا ادنى حرجٍ، انه مضطرٌ لتحويل ملفات فسادٍ ناقصة الى النزاهة، لأن الشخصيات ورجال الأعمال يخشون مساعدته وتقديم المعلومات اليه..!
تأملوا في هذا الاعتراف الخطير.. الشخصيات ورجال الأعمال يخافون من تزويد رئيس وزرائنا بالمعلومات؛ اذاً من هم اللصوص والفاسدون!؟ ما هي القوى التي تحت تصرفهم، وما هو سندهم..؟
طيب لماذا لا تستعين بالبطل احمد وفريقه لإجبارهم على النطق بالمعلومات يا دولة رئيس الوزراء؟!
(٣)
ليس المالكي دكتاتوراً..
وقديماً كنا نتناقش حول طبيعة نظام صدام حسين، ونختلف في توصيفه فكرياً. واختلافنا كان يتمحور حول ما اذا كان "النظام فاشياً" أم "شموليا دكتاتوريا". والسجال الفكري السياسي ارتبط بتنظيرات ديمتروف لـ"الفاشية" وطبيعتها.
واليوم نواجه مأزقاً فكرياً وسياساً حول طبيعة النظام الذي يعمل المالكي على "تخليقه". وفي اي خانة فكرية يصح وضع "النظام" او الأصح "الوضع" الذي نواجهه، مع الحكم الفردي التسلطي للمالكي؟
فالدكتاتور، يغتصب السلطة، سواءً بانقلاب عسكري او بالتفاف فوقي داخل القصر، او بقتل الوالد او الاخ او القريب، كما حصل في قطر ودول خليجية أخرى.
ويمكن للدكتاتور ان يأتي عبر انتخابات "شرعية" كما هو حال الاخواني محمد مرسي العياط، باعتبارها وسيلة لبلوغ هدف طال انتظاره لاكثر من ثمانين سنة، وهي وسيلة ما ان يتحقق الهدف منها بالوثوب الى السلطة، تصبح اداة لتدمير بنية الدولة العميقة، وتوظيف كل امكانياتها، لتفكيك هياكل النظام الديمقراطي، وترسيخ اسس نظام دكتاتوري مستبد، كما كان ينوي اخوان مصر..
فاين موقع السيد نوري المالكي، من هذه الأنماط..؟
يقيناً ان له فرادته التي لخصها في وقت مبكر بمقولته المشهورة "ماننطيها". لكن احد مضامينها المستفزة تستكمل في خطاب اعلان دور احمد، والاخر في ما جاء في خطاب أسبوع النزاهة.
لنتعرف على ما فعله صدام حسين، "بلا تشبيه" بل لمجرد تنشيط الذاكرة:
امسك منذ البداية بالمسؤولية عن جهاز "حنين" الارهابي، فقام بتصفية كل من يفترض انهم خصومه، او يمكن ان يصبحوا انداداً او خصوماً له في المستقبل. وقبض على التنظيم العسكري متدرجاً فيه، وزرع في صفوفه اقرب انصاره، ممن يؤمنون دون نقاش بما يريد، على قاعدة "السمع والطاعة" الاخوانية.
واصبح مشرفاً على الثقافة والاعلام، وربط كل مفاصلهما بالهيئة التي يقودها.. وبقي المال العام، فحوّل نسبة "كولبنكيان" البالغة خمسة بالمئة، الى حساب خاص تحت تصرفه. ثم راح يقضم "رفاقه" بدءاً باكثرهم تحدياً له، وانتهاءً بالمجزرة الجماعية التي حصد فيها كل القيادة القديمة تقريباً..
واصبح رئيساً، بلا منازع..!
لكن علينا ان نتذكر، ان اول خطوة حاسمة في سلّم تسلقه، دشنها مع "حنين" للاغتيالات السرية، وجعل كل واحد من قيادة البعث يتلمس رأسه، كلما فكر في أن يقول كلمة قد يفسرها صدام نقداً او معارضة..!
(4)
دون تشابيه او اسقاطات مخلة، ما هي مهام السيد ابي احمد نوري المالكي الآن، ومن تجرأ من قادة الدعوة او دولة القانون على قول ما يُفهم منه اعتراض ولو جزئي على سياسته ونهجه وخروجه الكلي عن مسارات العملية السياسية والدستور؟
اترك ذلك للقارئ، ولقادة وكوادر حزب الدعوة ورجالات دولة القانون، و"المدى" على أتمّ استعداد لأن تنشر في هذا المكان وجهات نظرهم وردودهم..
وسأعيد ثانية، ان المالكي اذا لم يتخذ قراراً بتنحية ولده ومساعديه، فان ذلك إنذار للجميع بعقبى لا تشرف أحداً..
إن التحدي الاول موجه لدولة القانون، ولحزب الدعوة، وللتحالف الوطني بكل مكوناته..
واذا اقتضى الامر، فكلي استعداد لاكمال ملف فساد محيط به وبولده، دون نشرها، وأعرضها على المالكي بحضور قيادات من حزبه ومن اي طرف آخر، وإذا لم يقتنع فسأعلن أمام الملأ بطلان ادعاءاتي، واستعدادي للمثول امام محكمة النشر..!
(٥)
نعم الشعب لا يحبك، لأنه يعرف انك أنت الحكومة، وان كل ما فعلته وتفعله، هو بدرجة من استباحة كرامات الناس، بحيث نسي المواطن جرائم صدام حسين، والدكتاتوريات الأخرى، لا تشبهاً به، بل لانك جئت بإرادة ملتوية لكنها في اطار نظام ديمقراطي، ويتوقع العراقي منك أن تكون تحت تصرفه، لا ان تعيد مسلسلاً فقد الصلاحية منذ ٢٠٠٣...!
يتبع في عدد قادم:
انشطار العملية السياسية، وانشطار المجتمع، من فعلها..؟
جميع التعليقات 3
ابو وسام
تحية مواطن مهاجر منذ22سنةولم يعود الى الوطن حتى كتابة هذا الرد الى الأخ صاحب العقل والفكر المستنير فخري كريم . مقالاتك قمة في الفحص والدقة والوضوح وهذا ماينطبق ماكنت اقوله واتوقعه ما سيحدث قبل سقوط الدكتاتور ص1 وتسلم الخلافة الدكتاتور ص2 لكن للأسف احبائ
نبوخذنصر
اذا كنت تعرف فتلك مصيبه واذا كنت لا تعرف فالمصيبه اكبر ان المالكي موجود بامر من اسرائيل وامريكا وايران لتقسيم العراق عن طريق الدم مقابل ان يحكم الجنوب او يخرج مع مليارات الدولارات التي سرقها بدون حساب
ابو سجاد
استاذ فخري المحترم ابو حمودي جاء للسلطة عن طريق البرلمان وخصوصا عن طريق الائتلاف في الدورة الاولى يتحمله المجلس الاعلى والتيار الصدري والذي بقى التيارمعارضا وبعدها رضخ لضغوطات المجلس وايران والجعفري الفاشل فالاولى يتحملها التيار الصدري بالقدر الاعظم اما ا