عابر الأطلسي "الشهير" ليل الأربعاء كان نوري المالكي رئيس وزرائنا، مع وفده الرفيع، حيث سيلتقي أوباما لأول مرة منذ نهاية ٢٠١١، اذ التقيا يومها على وقع إغلاق مثير لبوابة سفوان بعد مغادرة آخر جندي أميركي، وتسلمنا "السيادة".
وكانت السيادة التي منحها أوباما للمالكي، محفوفة بالخوف من المستقبل الأمني، والقلق من مستوى الخبرة السياسية. وسيلتقي الرجلان ليستعرضا بإيجاز شديد، تقييما لمستويات القلق والمخاوف القديمة. ولن يجدا صعوبة في مواجهة حقيقة رهيبة.. المالكي تورط في تحويل الخوف والقلق الى حقيقة مرعبة، وخرب التسوية السياسية التي ضمنتها واشنطن، وتعامل بلا أبالية مع المخاطر، ولم ينصت لنصائح الداخل والخارج، وقد جاء الى واشنطن طالباً "الدعم"، وحالماً بولاية ثالثة!
وعلى أوباما ان يجد وقتاً للمالكي، ذلك لأن جدول الرئيس مزدحم، وميركل والكثير من قادة أوروبا، يخاطبونه كل دقيقة، بخطابات "الزعل" حول تجسس سي آي أيه على مكالمات الزعماء، وكل الدم المنفلت في سوريا، وغموض مستقبل الشمال الأفريقي، وتلك الحالة الحذرة المحاطة باللوم على ضفتي الخليج، والداخل الأميركي الغارق في ديون والتزامات تثقل كاهل إدارة الديمقراطيين.
ومن المرجح ان أوباما لن يجد وقتاً كافياً، وسيسارع الى تسليم المالكي وفريقه الى نائب الرئيس بايدن او موظف اصغر بكثير، لمناقشة التفاصيل، وسترتسم علامات الإحباط والتوسل، على وجه المالكي في آخر مصافحة ضمن اللقاء البروتوكولي، بينما سيحرص أوباما على ان يهمس في أذن المترجم ككلمة أخيرة: قل للمستر مالكي، إننا منحناه ثقة واسعة كي يجمع الناس حوله، فاستخدم ثقتنا في تفريق الناس عنه، وجاءني معزولاً كسيراً ناقص المشروعية!
هل سيشعر المالكي لحظتها بأن القوة الحقيقية ليست في توسل أوباما تسليم الأف ١٦، بل في التمسك بخطة مراجعة داخلية تقرب الناس منه، كي يذهب الى أوباما محاطاً بتأييد الأغلبية الرافضة لنهجه اليوم؟ أم أن زمان هذا ولى وفات، ولم يبق أمام أبي احمد، سوى الرهان على الخارج لإخضاع الداخل، وهو نهج سيقودنا الى المزيد من الفشل والاستنزاف؟
صديق خبير تحدثت معه هذا الصباح، يدعوني لانتبه مسبقا، الى ان هذا العتب الأميركي الساخن، لن يجري الاعتراف به عراقياً، وسيعود فريق المالكي راسماً ابتسامات مزيفة، مؤكداً ان دولة القانون حصلت على ضمانات أميركية مهمة، تدعم العراق وتدعم نهج رئيس مجلس الوزراء!
لكن خيبة الأمل في واشنطن ليست سراً، والصحافة الأميركية سجلت كل هذا، وبكثافة غير مسبوقة من التعريض بالمالكي والاعتراض عليه. المالكي كتب مقالاً في نيويورك تايمز ختمه بعبارة ان العراق "يصر على المضي قدما نحو الازدهار والقوة، لكنه يريد ان يمشي هذا الطريق مع الحليف الأميركي". وقد ختم مقاله بهذا النحو، لان مستشاريه اضطروا ان يخبروه بأن المعلقين في كبريات صحف أميركا، اجمعوا على حقيقة واحدة: على أوباما ان يشرط الدعم للعراق، بمحاسبة المالكي على سياساته التي أثارت الانقسام بين العراقيين، وخربت التسوية، وجعلت الحكومة تفقد حلفاءها الداخليين، وتسمح لقواعد الموت بالعودة.
في زيارته السابقة الى واشنطن، كان أوباما يريد ان يفرغ من العراق بسرعة، وكان مضطراً الى غض النظر عن سياسات المالكي، وقرر الأخير ان يسيء استخدام هذه الحقيقة على أسوأ وجه. اما اليوم فقد اصبح في وسع واشنطن ان تلاحظ تبعات صمتها على المالكي، وهي أمام حقيقة جديدة، مفادها ان كل الأطراف العراقية عدا دولة القانون، ماضية الى انتخابات تغييرية، والى نواة مراجعة لكل هذا الانهيار. وسيتوجب عليها، (وعلى طهران أيضاً)، ان تعيد رسم مصالحها في العراق، على توقيتات رغبة التغيير العارمة من أربيل الى النجف والبصرة.
أوباما لن يتحدث مع المالكي عن المالكي، بل عن اطراف اللعبة الداخلية التي نجحت في إخبار واشنطن بأقوى الأساليب، ان صفقة الداخل هي التي ستتحكم من الان فصاعداً، بشكل التأثير الخارجي. اذ ليس في وسع واشنطن ولا طهران، ان يتحملا المزيد من أعباء حاكم فاشل في بغداد.
عابر الأطلسي والولاية الثالثة
[post-views]
نشر في: 30 أكتوبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
ابو سجاد
ها انت يااستاذ سرمد تحدثت عن ولاية ثالثة للمالكي حتى ولو جاءت عن طريق الاستجداء وبهذا دليل على ان هناك ولاية ثالثة للسلطان نوري ابو حمودي انها في الطريق الينا ونحن نقول لماذا لم يحصل على ولاية ثالثة هل في رايك ان هناك من كل القيادات الموجودة يصلح لقيادة ا
احمد عبدالوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم..لقد كتبت وزملائك الشىء الكثير من النقد الحاد ولكن لايبدو ان ماكتبتوه يؤثر في المالكي او في غيره...الا ترى معي انكم بحاجة لتغيير الاسلوب وان تتوجهون الى القواعد الشعبية لتغيير قناعاتها بما يجري في الساحة ....ارجو
ابو نور
ان المالكي وغيره ومن سياتي لاحقا ليسوا سوى موظفين ينفذون ما يؤمرون به .لم تخرج امريكا من العراق بعد ان انفقت الشي الكثير من سمعتها واموالها ورجالها لكي تترك الامور بيد هذا وذاك ولا اعتقد ان المالكي رجل مخبول لكي يتصرف بطريقة تبعده عن الشعب . الاعلام يتناو
waleed
بعد ان نصبت بريطانيا الملك فيصل ملكاعلىالعراق وجعلت من نوري السعيد لاعبا اساسيا في حكمه استغل الأخير ثقة بريطانيا فيه وراح يني العراق مدماكا بعد اخر الى ان شعرت بريطانيا ان العراق قد وصل الى مستوى خطير حسب قياساتها طبعا على كل المجالات وان هناك تقدما اخر