من تعبيرية نبيلة عبيد إلى بنيوية فيفي عبدة، هناك إصرار غريب على تحويل السقطة الإعلامية والألفاظ الجارحة، إلى بطولة ونباهة وعبقرية. وإذا كان من الممكن الاكتفاء بالصمت والأسف لما وصل إليه حال الصحافة في العراق ، فإن إصرار البعض على الكتابة بنظام " سقط المتاع "، ينقلنا من مرحلة الحسرة على هذه المهنة الجميلة إلى حالة من الحزن والأسى لما وصلت إليه حال العراق في هذا الزمن " الكوميدي ".
كتابات يتصور أصحابها أنهم ساخرون فلا بد إذاً من ذكر " المؤخرة والمقدمة " ورش توابل على المقال من عينة " صماخ " و"بعير" و " قواد " و " سرسري " لكي يمكن لها ان تصنع منه صحفياً يشار له بالبنان.. للأسف اليوم نعيش مع صحف في معظمها سوريالية، ورؤساء تحرير مجرد أصحاب دكاكين، ومسؤولين يعشقون الكوميديا ويمارسونها طوال الوقت من خلال دعمهم لهذه الصحف بكل ما خف وزنه وغلا ثمنه.
منذ سنين وعددٌ من الكتاب وأشباههم مصرون على ارتداء معطف وقبعة صدام والتلويح ببندقيته، مقدمين أنفسهم بطبعة جديدة ومنقحة من نموذج البطل القومي المقاوم، متحدثين ليل نهار عن المؤامرة التي تتعرض لها السيادة الوطنية مطلقين صيحة مدوية: لن نركع أبداً.
وفي كل يوم نواجه بتعليقات يكتبها البعض: لماذا نتجرأ دائما على انتقاد الحكومة وائتلاف المالكي وبعض الساسة؟ ولسوء الحظ فإن مواقع إعلامية ممولة من أحزاب وسياسيين تعج كل يوم بحروب وشحن طائفي يمثل شرارة لحرائق يصرّ البعض على إشعالها، ولسوء الحظ نقرأ كل يوم لمسؤولين كبار يدعون إلى حرب ضروس ضد إخوة لنا في الوطن، بعض هؤلاء يفعلون ذلك لأنهم متعصبون، والبعض الآخر لأنه يجهل أن عمله قد يقودنا إلى مصيبة، وآخرون يفعلون ذلك متعمدين كي يهدوا الوطن على كل من فيه. معتقدين أن تحقير الآخر والقضاء عليه أولوية تتجاوز ملفات الخدمات والإصلاح السياسي والانفلات الأمني.. لكن ان يخرج علينا احد الكتاب بمقال ثوري يتهمنا فيه بأننا مثقفو الإرهاب وإرهابيو الثقافة، فهذا منتهى الغباء الإعلامي ومنتهى السقوط في وحل العنصرية.
لعل الخطير في ما يكتبه البعض أنه يعتبر أن من ينتقد الخراب الحاصل الآن هو شخص ضد العملية السياسية ويستهدف الطائفة المظلومة، وكأن التصدي للانتهازية وسرقة المال العام مرادف تماماً للعداء للوطن، ومعنى ذلك أنك وأنني وأنه وأننا ليس أمامنا إلا أن نصفق ونبايع ونؤيد ونزكي كل هذا الخراب فنفوز برضا كتاب صحافة " الوزن الخفيف " ومن ثم نحصل على صك الوطنية.. أو أننا ننزعج ونحزن ونأسى على هذا التزييف الفاضح ونشعل الضوء الأحمر، وهنا نتحول إلى مارقين مترصدين حاقدين على العراق وشعبه.
للأسف هناك من يعتقد ان البذاءة فصاحة والمفردة الساقطة أدب. متوهماً انه ابتكر لنفسه أسلوباً متفرداً في الصحافة السياسية، لم يبلغه من أهل المهنة سواه، ان يكون هو من يعبِّر عن حركات نبيلة عبيد ورقصاتها، وان يحول السذاجة إلى خطاب طائفي يشتم من خلاله جواد سليم لأنه سُنّي، ويطالب بمنع السيّاب من كتب الدراسة لأنه لا ينتمي إلى المذهب، ويصر على اعتبار عبد الله كوران من العصاة لأنه رفض ان يسبّح بحمد القائد الضرورة.
من الواضح ان البعض لا يريد ان يتعلم الدرس، ولا يريد أن يؤمن بأن عصر صحافة المأكولات "ثقيلة الدسم" سيولّي وإلى غير رجعة.
صحافة "ثقيلة" الدسم
[post-views]
نشر في: 30 أكتوبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
رعد الصفار
شكرا لهذه المقاله
ابو سجاد
الضاهر يااستاذ علي اللي يحصل على الكرسي لايعطيه وان اليمقراطية في العراق هي اكذوبة ضحكت علينا بها امريكا وهؤلاء العملاء وسبيل هذه الاكذوبة هي الانتخابات التى كان قوامها التزوير والرشوة والتهديد والرجل ابو حمودي لم ينطق كلمة ماننطيها من فراغ انه متاكد منها
علي العراقي
لا ادري ان كنت قرأت او تابعت بعض الصحف العراقية ومن المعومة بدول ومن الحكومة ربما لا نا تصب في مصلحتها عندما يكتبون على هواهموالكلمات الطائفية الجارحة للاخر وعبارات لايستعملهها حتى ابن الشارع وهناك صحفي ذاع صيته لانه يكتب بلا حياءولا اخلاق ويستعملالكلمات