شدَّني شوق، له سببان رئيسان، لمتابعة أخبار انطلاق مهرجان الشعر الشعبي الذي رعاه ونظمه الحزب الشيوعي العراقي يوم الأربعاء الفائت بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيسه. السبب الأول شيء هو اقرب للحنين لتلك المهرجانات الشعرية التي كانت تعقد في المحافظات وابتدأت من الناصرية في العام 1969 ثم انتهت بها في العام 1973. بصراحة لم اكن تواقاً لسماع القصائد بل لمعرفة نوع الجمهور الذي حضر. وان كانت المهرجانات القديمة قد تميزت بقصائدها، التي كان يحكمها النوع اكثر من الكم، فان الفضل في ذلك يعود لنوع الجمهور من حيث الوعي والذائقة. كان حضور العنصر النسوي طاغياً وكان أغلب الحاضرين من طلبة الثانويات والجامعات ومن جماهير الحزب الشيوعي نفسه. ما كنا نحتاج الى نقاد بزمن ذلك الجمهور. فصمته، او سخريته من، شعراء القصيدة الرديئة، من جانب، وتفاعله والتقاطه للقصائد ذات المعاني والصور الجميلة، من جانب آخر، يعطيان كل ذي حق حقه .
السبب الثاني كان أملي ان أجد بقايا من ذلك الجمهور النوعي في المهرجان الجديد. لعلي عندها أكمل سلسلة أعمدة ناقشت بها رأي الكاتب والشاعر عبد الخالق كيطان الذي حكم على جمهور الشعر الشعبي بأنه عدو للمدينة.
للأسف لم احظ بتغطية جيدة وكاملة لوقائع المهرجان الأخير ولم يتسن لي حتى اللحظة معرفة شيء مهم عن الجمهور الذي حضر. الذي وصلني فقط هو كلمة ممثل الحزب الشيوعي وأسماء لبعض الشعراء المشاركين. ما زلت انتظر الأيام المقبلة لعلها تأتيني بما أتلهف لمعرفته. والى ان تبدي لي الأيام ما كنت جاهلا أود أن أذكر معلومة أراها مهمة عن دور النظام السابق في محاربة الشعر الشعبي ليس من خلال استهداف القصيدة نفسها بل باستهداف جمهورها أيضا.
بعد منع الشعر الشعبي بقرار من القيادة القومية، عام 1974، فتح الباب أمامه واسعا وفجأة بمهرجان كبير تم بثه تلفزيونيا على مدى ثلاث او أربع ليال متتالية عام 1980 وحضره صدام بنفسه. لم يهتم حزب البعث، يومها، باختيار الشعراء مثلما اهتم باختيار الجمهور الذي سيحضر. صدر قرار حزبي ان لا يحضر المهرجان إلا من كان بدرجة عضو عامل فما فوق من الرفيقات والرفاق مع مواصفات "مناطقية" أخرى.
لم تكن الرفيقات ولا الرفاق يعرفون "حمد" الذي مر به الريل المسافر بمظفر، ولا "حمد" ناجي منجي الذي كان "تفكة بتوالي الهور"، ولا "سعود" بيرغ الشرجية، ولا الذي حذره زامل سعيد فتاح: "أفه يسعود چيلات الحرامية فشكهن شد". جمهور مؤدلج الروح والعقل لا تعنيه تلك الاسماء "الشيوعية". حذروه ان لا يصفق الا اذا جاء اسم "أخو هدلة" على لسان واحد من الشعراء.
لا ادري ان كان الصديق كيطان قد سمع بهذا أم لا؟ وليته يجيبني ان كان هناك جمهور للشعر الفصيح. فان دلني عليه فليرشدني، بدربه، على "المدينة" التي لا يعاديها.
جمهور الشعر الشعبي مرة أخرى
[post-views]
نشر في: 1 نوفمبر, 2013: 10:01 م