لعدة قرون من الزمن حكمت الإمبراطورية العثمانية بسلام أرجاء واسعة من العالم، واليوم تندلع النيران في تلك الأراضي، ومحطة BBC، تبدأ بعرض فيلم وثائقي مهم في عدة حلقات عن تلك الإمبراطورية وما الذي أدى إلى تدهورها. وبيتر بوفمان يكتب عن ذلك: هناك القليل
لعدة قرون من الزمن حكمت الإمبراطورية العثمانية بسلام أرجاء واسعة من العالم، واليوم تندلع النيران في تلك الأراضي، ومحطة BBC، تبدأ بعرض فيلم وثائقي مهم في عدة حلقات عن تلك الإمبراطورية وما الذي أدى إلى تدهورها. وبيتر بوفمان يكتب عن ذلك:
هناك القليل من الأشياء التي انقضت أكثر أهمية من الإمبراطورة السابقة، ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي، أعاد إلى الأذهان أشباح إمبراطورية عمراً- العثمانية التركية-.
ففي ربيع عام 1990، بدأت الدول الشيوعية الأوروبية في حقبة جديدة من حياتها بعد تداعي تلك الدول، وكان أحدثها آنذاك رومانيا، وكان ديكتاتورها قد أعدم تواً، أما الدولة الأخيرة التي بقيت على حالها (حتى ذلك الوقت) فكانت ألبانيا، وعندما أراد الصحفيون الإنكليز دخولها، منعوا من ذلك، وكان يسمح فقط لدخول خبراء الآثار أحياناً، للقيام بجولات دراسية.
لم يكن لدى الكاتب فكرة عن مدى اتساع خارطة الإسلام في أوروبا، وفي شوارع ألبانيا تعرف على نفخات من التبغ والقهوة العثمانية، إضافة إلى التعرف على جوامعها الجميلة.
كانت ألبانيا في المقدمة، وعلى الحدود، بالنسبة للعثمانيين كما للروس وفي ما بعد للمجموعة الأوروبية وخرجت تدريجياً ببطء، من مرحلة الشيوعية في خلال التسعينات من القرن الماضي، مكتشفة أن ذلك العطر النادر للحضارة العثمانية قد بقي طويلاً ملتحقاً بالوطن، وكانت دول عديدة أوروبية تحت ذلك الحكم أيضاً بعد قرون اليونان، وجميع أجزاء يوغسلافيا، بلغاريا، رومانيا وحتى أوكرانيا.
وكانت الإمبراطورية العثمانية قد حاربتهم وانتصرت عليهم، بقيادة سليمان العظيم (ولد في عام 1492)، وتوفي في 1566)، أو بالدقة، قبل ان يذهب الإنكليز إلى أي مكان.
والأمر الذي يدعونا إلى إبداء العجب في حيرة حول اختفاء تلك الإمبراطورية، هو انه على الرغم من كون العثمانيين من المسلمين، يحكمهم الخليفة ومقره إسطنبول، فان أعداداً كبيرة من المسيحيين واليهود، عاشوا هناك برخاء، وفي أنحاء الإمبراطورية العثمانية كافة.
وفي عام 1492، وبعد طرد 150،000 يهوديا من إسبانيا، تمت دعوتهم للإقامة في الإمبراطورية العثمانية، وفي الحقيقة كان الكافر يواجه ضريبة أعلى من المؤمن، ومع ذلك فان الحكم الإسلامي كان معروفاً بالعيش بسلام بين مكوناته، علماً ان المسيحيين في سوريا والعراق ومصر، محاصرون وتقل أعدادهم تدريجياً.
كان سليمان العظيم محارباً، فناناً وشاعراً، وهذا هو سبب قرار محطة BBC، إنتاج هذا العمل في عدة حلقات، والأوربيون يعرفون القليل عن العثمانيين غير الاعتياديين.
عائلة واحدة تحكم إمبراطورية، على رأسها أوروبا شمال أفريقيا، لفترة تمتد إلى ما قبل عصر ثورة الفلاحين إلى عصر الطيران- وأغلب ما نعرفه عنه غير صحيح بالمرة.
ونحن الأوربيين نتذكر العثمانيين: الشاربين التركيين، وحصار مدينة فيينا، حيث سقط ظل النبي على أوروبا كافة، كما أننا لا نعرف إلا القليل عن مظاهر الرخاء الرائع، ومريم السلطان ومحظياته المسيحيات، وأجوائه الساحرة، عالم يمكننا وصفه باختصار بـ(الشرقي) عالم أكثر غنى وإمتاعاً من الحقيقة التي تراودنا.
لقد جاء الترك على هيئة أسراب عبر سهل الأناضول، مثل قوى أخرى، لا جذور لها، بدو في أواسط سهول آسيا. ولكن القادمين ما ان نزلوا عن خيولهم وبدأوا يتعلمون أموراً جديدة عليهم، من الناس الذين قاوموهم، وهكذا بدأوا يتغيرون، وبالنسبة لحالة الأتراك فإنهم آمنوا بالدين الإسلامي، بدلاً من اتباع دين البيزنطينيين في القسطنطينية، الذراع اليمنى لكنيسة روما المنقسمة. وقد استبدل الأتراك أعمالهم السابقة من الهجوم والسرقة وذبح الآخرين بعادات أخرى مهذبة تعلموها من البيزنطينيين، ولم توجه الضربة القاتلة-للبيزنطينيين من قبل الأتراك بل الكاثوليك في الحملة الصليبية الرابعة، والذين احتلوا المدينة عام 1209، وهكذا بدأت المرحلة الذهبية من العثمانية وتتالى السلاطين في الحكم، وأخضعوا نصف أوروبا لحكمهم وكافة شمال أفريقيا، حتى مراكش، كما سيطروا على الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة والانتصار أيضاً في مصر، وتبنى السلاطين العثمانيون، إضافة إلى لقبهم، بـ(خليفة المسلمين).
وكان السلطان سليمان يكنى بـ"العظيم"، ليس لكبر حجمه أو لسيطرته على هنغاريا وبلغراد، بل أيضاً لأنه كان واحداً من أولئك المحاربين النادرين فهو كان أيضاً فناناً وشاعراً، ولكن اللقب الذي كان يعرف به في البلاد هو سليمان القانوني.
آخر أيام الحكم العثماني
كان العثمانيون يحكمون حسب الشريعة، ولكن سليمان أراد إدخال الحداثة إلى الإمبراطورية الحديثة، وترأس سليمان لجنة لتعديل نظام القوانين محترماً الشريعة مع إضفاء طابع الحضارة العثمانية إليها- نظام قانوني يدوم عدة قرون.
إن التراجيديا الحقيقية، للإمبراطورية العثمانية لم تستمر، ولو أدرنا البصر اليوم في تلك الأراضي التي كانت تحكمها لرأينا العنف والمحركات العنيفة بدءاً من تونس إلى سوريا ومن البوسنة إلى العراق.
وفي الحقيقة، ان نهاية العثمانيين جاءت في عام 1923، على يد كمال أتاتورك، دفن تلك الإمبراطورية في احتفال صغير وتولى السلطة بعد الحرب العالمية الثانية، وقضى على كل رموزها ومظاهرها: من الكتابة باللغة العربية إلى إلغاء الحجاب.
عن الغارديان