TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في خزانة ملابسي 100 سجادة للصلاة

في خزانة ملابسي 100 سجادة للصلاة

نشر في: 5 نوفمبر, 2013: 09:01 م

ما ان انتهى مساء اليوم الرابع لعيد الأضحى الأخير حتى سارع العديد من أصحاب المواكب الحسينية والسكان في المناطق الشعبية بخاصة إلى رفع الأعلام السود ونصب السرادقات وتجهيز أجهزة الصوت في استعدادٍ مبكر لاستقبال شهر المحرم، وهذه ظاهرة باتت تتكرر كل عام، حتى ليبدو الناس في حل من أفراحهم بما فيها مناسبات الأعياد المنصوص عليها في أدبيات الدين الإسلامي، وهي ظاهرة بدأت عدها العكسي منذ الحرب مع إيران، حيث ضاقت مساحة الفرح في الإنسان العراقي كثيرا مقابل سعة أرض الأحزان وتمكنها من حياته. والمشكلة قد لا تكمن في الضيق والسعة قدر تعلقها بمفهوم تأسس داخل الذاكرة الشعبية تحديداً يقول بأن التدين قرين الحزن والآلام، حتى بتنا نتحدث عن الفقراء والمحرومين والمساكين بوصفهم الأكثر تديناً، فيما ظل الميسورون متمتعين بمفاصل الحياة، مستمتعين بما بين أيديهم من المال والجاه والسلطة.
يستحضر البعض من الذين يعنيهم السير في درب البر والإحسان لا بمفهومه الديني إنما بمفهومه الجامع للقيم الإنسانية، سيرة الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري التي أنفقت الكثير من ثروتها في مشاريع كفلت عبرها أكثر من 65 ألف مواطن أمريكي، عبر مؤسستها الخيرية، منذ أكثر من ربع قرن، بل أنها لم تتابع إلى أين وصل بهم الحال، لكنهم كانوا جاءوها من كل حدب وصوب، في حفل تكريمها بمناسبة اعتزالها العمل الإعلامي ليقولوا لها(شكراً أوبرا)هؤلاء جميعاً قدمت لهم أوبرا منحاً دراسية وحياة كريمة غير منقوصة، وبلا منّة ودون أن يعرف أحدٌ ذلك، يستحضر ذلك البعض وهم ينظرون إلى (المحسنين) في المنطقة العربية الإسلامية. ولأني بدوت ممتعضاً، همس لي أحدهم بأن السيد فلان الفلاني وكيل المرجع الفلاني، والذي كانت تُجبى له الزكوات والأخماس والعطايا، اشترى البيوت التي عن يمين وشمال بيته، حتى امتلك الشارع كله .
ولأني أسكن منطقة ريفية فقد توجب عليّ زيارة وتقديم هدية لكل من قِدمَ من مكة معتمراً، حاجَّاً ولأن العمرة والحج باتا من متطلبات الوجاهة في الحياة وضمانة للفوز بالآخرة فقد سارع الناس إلى هناك يحجون ويعتمرون، لكني وعند زيارة أي من القادمين من الديار المقدسة كنت أخرج بسجادة للصلاة ومسبحة وقليل منهم من أهداني دشداشة مثلاً حتى امتلأت خزانة ملابسي ورفوف المكتبة بأكثر من 100 سجادة ومسبحة، صرت حائراً بهذه الكمية الكبيرة من السجادات،(السجاجيد) بتعبير صديقي العمارتلي، بل بت متضايقاً من عددها القابل للزيادة، وحين قصصت ذلك على جيراني فوجئت بانَّ لهم مثل معاناتي، وهنا فكرت بمعنى التدين لدى البعض، لا بل الكثير الغالب، من الذين يرون البر والمعروف ممهوراً في قماشة لو فرشتها على أرضية البيت لوسعته.
يقول صديقي الذي زارني قبل يوم بأن مظاهر الاحتفال بالعاشوراء في البصرة أكثر مما هي عليه في كربلاء والنجف، يقول ذلك وهو ينظر لعشرات الآلاف من البيارق وقد غطت سماء المدينة وقطع القماش الأسود والصور وهي تلف الشوارع وتغطي أسيجة البيوت، يقول ذلك وهو يتنقل بالتاكسي ليستمع إلى متوالية أناشيد الحزن وهي تقصف أسماع الناس بمارشات وطبول تذكر بزمن الحرب فيقول أكل ذلك تدين وخشوع في البصرة؟ فأقول والله يا صديقي أنا لا أجد في ذلك مظهراً من مظاهر التدين إنما هي دأب شعبي وممارسة فطرية، غايتها مشاركة أهل البيت مصابهم، لكنه يقول: أما في ذلك هدر للمال وضياع للجهد وتبديد في الفرص واستباحة للحرية؟ فأصمت لئلا يسمعني أحدهم فيقول عني: شيوعي كافر، او بعثي حقير، أو علماني يكره الإسلام .
إني أفكر بالأشخاص الـ 65 ألف الذين كفلتهم أوبرا وينفري، بالـ 450 طالبا الذين رعتهم، الذين حملوا 450 شمعة وطافوا ملعب شيكاغو شاكرين فضلها في تعليمهم ورعايتهم، بالعلماء الخمسة الذين صاروا علماء كباراً بالـ 300 ألف دولار التي تبرعوا بها لدعم مؤسستها. دون أن أفهم لماذا نصرُّ ، ومنذ أكثر من قرن ونصف على أنَّ سجادة الصلاة هي خلاصة التدين!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram