في كتابه ( مارلين مونرو ..الندبة ) ، جعل كلود ديلي من الممثلة الأسطورية الراحلة مارلين مونرو صورة حساسة ورقيقة ، واختار ديلي صورة للغلاف تلخص كل مأساة مارلين مونرو وسحرها الطاغي وتناقضاتها القاتلة ، فهي تظهر عارية تغطي صدرها بزهرتين ضخمتين ترمز إلى ا
في كتابه ( مارلين مونرو ..الندبة ) ، جعل كلود ديلي من الممثلة الأسطورية الراحلة مارلين مونرو صورة حساسة ورقيقة ، واختار ديلي صورة للغلاف تلخص كل مأساة مارلين مونرو وسحرها الطاغي وتناقضاتها القاتلة ، فهي تظهر عارية تغطي صدرها بزهرتين ضخمتين ترمز إلى الحب المتأجج باستمرار وتجلس كامرأة تعيش دائما ذروة أحاسيسها ،فهي تعضّ شفتيها برقة وتغمز بعين تغطيها رموش سوداء طويلة بينما ترسل عينها الأخرى نظرة محملة بالنشوة ،وهي بذلك تمثل رمزا لا يقاوم للإغراء والجمال الذي كان سببا في مأساتها ..وتظهر في الصورة ندبة واضحة لعملية جراحية أجريت لها في بطنها لرفع المرارة ..
ربما لهذا السبب أطلق ديلي على كتابه عنوان ( الندبة ) رغم غرابة العنوان لكنه يقصد بذلك ان مارلين ظلت مجروحة بجرح لم يبلغ الشفاء حتى لحظة وفاتها ،وجرحها كان في أعماقها بعد ان ذبحتها الحياة بمغرياتها وآلامها ماقادها في النهاية إلى الانتحار بطريقة غامضة ..ويبدو ان الانتحار هو نهاية حتمية أحيانا حسب التحليل النفسي لنجمة مثل مارلين تعيش في طوفان هوليوود فلا تخرج منه سالمة بسهولة لأنها كانت هشة وطفلة في طريقة استقبالها للحياة ..
كان في جمالها لغز قادها إلى دمار مبكر وكان ذلك مكتوبا عليها منذ ولادتها فهي لم تعرف إلا الرغبة ثم الموت وفي كليهما اندفاع خطيرلجسد لايعرف التوقف ..لقد كانت مارلين امرأة مشؤومة ولكن شؤمها لا يؤذي سواها ..
لم تعش مارلين حياة سرية ..كان كل شيء مكشوفا عن حياتها إلا لغز موتها فالكل يعرف الثغرات التي تخللت حياتها ..والدتها المجنونة ووالدها المجهول وبحثها المحموم عن السعادة ..كانت مارلين تدعو كل أزواجها ( بابا ) لحاجتها الأبدية إلى أب ، أما والدتها فعندما علمت بوفاة ابنتها قالت : " مارلين مونرو ؟ لا أعرفها !..."..
ويربط مؤلف الكتاب ديلي بين حساسية مونرو وسطحيتها الرقيقة وبين إحساسها بالمرض والوحدة الدائمة وإدمانها على الحبوب المنومة وحاجتها إلى الحقن الشرجية بشكل إجباري ...ويرى ديلي ان عري مونرو كان فاتنا لكنه كان ساذجا وكأنه يسهم في تطهيرها من آلامها ويجردها من أعباء الحياة التي أثقلت عليها منذ طفولتها ..كانت مارلين تخشى ظلمة الليل بشكل رهيب ولا يطرد رهبتها إلا إضاءة عدسات التصوير الفوتوغرافي ..وكانت تقول إنها تستمتع كثيرا حين تقف أمام الكاميرا لأنها تطرد إحساسها الرهيب بالوحدة ..
كانت مارلين على ترحال دائم من فندق إلى فندق ومن شقة إلى شقة مفروشة إلى شقة خاوية ،وأقامت في سبعة وخمسين منزلا خلال خمسة وثلاثين عاما ..وكذلك في زواجها وطلاقها وفي علاقاتها ..وكانت تعجز عن الاستقرار في مكان كما لو كانت تخفي سرا كبيرا ،فالانتساب إلى مكان هو انتساب إلى لون من ألوان الحياة وإلى ذوق شخصي وهو إعلان عن وضع اجتماعي وأسري وهو بمثابة انتساب مارلين إلى شيء غير صورتها التي لا تخفي أثر والدتها فيها وهي نسبها الوحيد ..وكانت مارلين قد طلبت وصاية رالف غرينسون ، المحلل النفسي ورعاية شؤونها وتوليه إدارة أعمالها وحياتها ، لكن هذه الوصاية كانت أقرب إلى وصاية الراشد على القاصر فزادت من ارقها ولم تنتشلها من مخاوفها ولم تمنحها تماسكا نفسيا بل لاحقتها ازدواجية الهوية التي تفرضها مهنة التمثيل أو مهنة (عارضة الجمال ) وحيا ة النجومية ، فالممثل يؤدي دورا على خشبة المسرح أو في الاستديوهات السينمائية ، وغالبا ما يربط المشاهدون والجمهور الممثل بأدواره ويحسبون انه والشخصية التي يؤديها واحدا أو ان هذه الشخصية هي مرآة شخص الممثل في الحياة الواقعية ..
وعلى رغم إقبالها على جلسات التحليل النفسي ،وإسهابها في رواية معاناتها للأطباء ، لم تنجح مارلين في ردم الهوة مابين جسدها وصورتها ، وبين ذاتها وشخصها ، ولا في قبول ماهي عليه ، فبقي شكلها الخارجي منفصلا عن شخصها الداخلي ، وكان هوية هذا الجسد والوجه مستقلة عن صاحبتهما ومنقطعة عنهما وممتنعة منهما ،بل كان جسد مارلين أو مايرى منها –إذا صح القول – مجرد صورة تعرض على الآخرين ما تعرض الصور في المجلات والألبومات ..
صدر كتاب ( الندبة ) لكلود ديلي عن دار فايارد للنشر ويضم ( 334 ) صفحة .