في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر / تشرين الثاني الحالي تصادف الذكرى المئوية لميلاد برت لانكستر حيث يدور في خلدنا حتما كيف يمكن مقارنته بالعديد من رواد هوليوود من الممثلين والعاملين بهذا الفن منذ تأسيسه ، فمن المؤكد أن بعضهم قد تاجر بمظهره ولياقته الب

في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر / تشرين الثاني الحالي تصادف الذكرى المئوية لميلاد برت لانكستر حيث يدور في خلدنا حتما كيف يمكن مقارنته بالعديد من رواد هوليوود من الممثلين والعاملين بهذا الفن منذ تأسيسه ، فمن المؤكد أن بعضهم قد تاجر بمظهره ولياقته البدنية على حساب فنه ، والبعض الآخر قام بأداء عمله بعمق باستقراء دوره والذوبان فيه ،  في حين أن بعضهم تفوق على أكثـر الممثلين شهرة ممن لعبوا أدوارا صعبة في السينما ، وهناك عدد قليل ممن جمع تلك النجاحات وتفوق على الجميع كان لانكستر واحدا منهم طوال تجربته الفنية كممثل ومخرج ومنتج .

برت لانكستر كان يتطلع دائما إلى الريادة ، ساعدته فيها وسامته ، رجولته ، ابتسامته المبهرة ، عيونه التي يمكن لنا أن نلتقي فيها زرقة السماء وموج البحر ، وهو رياضي موهوب كثيرا ما كان في شبابه يتردد على السيرك الذي عمل فيه فترة من الزمن  مؤديا لأصعب الحركات البهلوانية .
ومنذ بدايته في السينما أراد أن يكون مسؤولا عن مصيره كلاعب أساسي فيها ، فحينما التقى هارولد هيشت في إحدى المسرحيات التي كانت تعرض في نيويورك أواخر عام 1940 عهد إليه ان يكون وكيلا لأعماله ومن ثم شكلا شركة إنتاج سينمائية باسم نورما انضم إليهم بعدها الكاتب والمخرج جيمس هيل عام 1952 وهو نفس العام الذي شهد زواج لانكستر الثاني ، بعدها أصبح هيشت وهيل ولانكستر أسماء لها وزنها في هوليوود تمكنوا من خلال شركتهم صنع أفلام مستقلة تمتعت باتفاقات قوية بين الفنانين وشركات التوزيع في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية  .
 الشركة توسعت بعدها بإنتاج مجموعة من الأفلام لاقت إعجاب وترحاب الجمهور خاصة في العام 1956 الذي شهد عرض فيلمين جميلين جعل من  جمهور السينما يتدافع بقوة على شباك التذاكر من أجل مشاهدتهما ،وهما " ترابيز " أو " أرجوحة السيرك " من إخراج كارول ريد .وقد شارك البطولة فيه إضافة إلى برت لانكستر الممثل توني كيرتس وجينا لولو بريجيدا في أول ظهور لها في الأفلام الأمريكية ، حصد خلالها الفيلم أكثر من 7 ملايين دولار ونصف  وحاز على المراكز الثلاثة الأولى بين الأعلى دخلا خلال ذلك العام .
أما الفيلم الثاني الذي أنتج في نفس السنة فهو " صانع المطر " من إخراج جوزيف أنتوني عن مسرحية بنفس الاسم للكاتب المسرحي ريتشارد ناش يحكي عن قصة امرأة في منتصف العمر تعاني من حب بلا مقابل لعمدة إحدى المدن فتقع في حب أحد الرجال الذي يصور لها أن الحب كالمطر يحيي الآمال وينعش العاطفة ، لكنها في النهاية لاتحصد منه سوى غيوم عاقرة بلا مطر ، اضطلع ببطولة الفيلم  برت لانكستر وكاثرين هيبورن وويندل كوري ،  وقد رشح  لعدة جوائز للأوسكار،منها جائزة لأفضل ممثلة في دور رئيسي كاثرين هيبورن وأفضل موسيقى كما فاز بجائزة غولدن غلوب المعروفة لأفضل ممثل مساعد .
في عام 1957 أنتجت الشركة فيلمين آخرين أحدهما يتحدث عن صفحة من صفحات الغرب الأمريكي ، أما الثاني  الذي حمل اسم " رائحة حلوة من النجاح " جمع لانكستر بتوني كيرتس للمرة الثانية في قصة شائكة استحق الفيلم ان تقوم مكتبة الكونغرس الأمريكي بدرجه في محفوظاتها التاريخية نظرا لقصته الشيقة وتمثيله المتقن وجمال إخراجه وتصويره .
تميز بيرت لانكستر طيلة عمله كممثل ومنتج باختياراته الذكية والموفقة لأفلامه التي اعتمد فيها بالدرجة الأولى على روايات وقصص ومسرحيات كبار الكتاب العالميين ما يدلل على ذوقه الرفيع وثقافته الواسعة ، ففي عام 1959 قدم عبر شركته فيلما مقتبسا عن مسرحية " تلميذ الشيطان " للكاتب الأيرلندي الساخر جورج برناردشو ، حمل نفس الاسم من إخراج غي هاملتون تألق لانكستر فيه إضافة إلى الممثل الموهوب كيرك دوكلاس ولورانس اوليفييه ، كما قدم فيلما رائعا كذلك عام 1962 هو " بيرد مان من الكاتزار " وهو نسخة خيالية من حياة روبرت شراود سجين الكاتزار الرهيب الذي سجن مع طيوره في سجن ليفنوورث وعندما نقلوه إلى الكاتزار لم يسمح لطيوره بالبقاء معه هناك ، الفيلم تم تكييفه عن رواية  بنفس الاسم للكاتب إي . توماس وقد رشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي لبرت لانكستر ، وأفضل ممثل مساعد لتيلي سافالاس ، وأفضل ممثلة مساعدة لتيلما ريتر ، وأفضل تصوير سينمائي بالأسود والأبيض .
الحديث عن فن برت لانكستر لا يمكن أن ينسينا شخصيته المؤثرة في الجانب الحياتي أيضا ، فقد كانت له مواقف إنسانية عبر عنها في رفضه السخرة التي يتعرض لها عمال شمالي أفريقيا من قبل الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية ، وكذلك اعتباره من أبرز الليبراليين في هوليوود حيث كان معارضا قويا للمكارثية ومدافعا متحمسا للحقوق المدنية ، وكان لانكستر شخصية بارزة وفاعلة مع الفنانين الذين انضموا لمسيرة مارتن لوثر كنغ في واشنطن عام 1963.
في السنوات الأخيرة من حياته حاول الابتعاد قليلا عن هوليوود منجذبا نحو الأفلام الإيطالية والفرنسية فحط رحاله في إيطاليا حيث تعاون مع فيسكونتي في فيلم " قطعة محادثة " عام 1974 ، وبيرتولوتشي عام 1976 في فيلم " 1900 " حيث وقف إلى جانبه روبرت دي نيرو وجيراردو بارديو ، وبلغ ذروة اشتراكه عام 1980 في فيلم " أتلانتيك سيتي " الذي اشترك في إنتاجه كل من فرنسا وكندا من إخراج الفرنسي لويس مال .
توفي بيرت لانكستر في عام 1994 بعد حياة مهنية رائعة في السينما امتدت لأكثر من 47 عاما اعتبر خلالها من أبرز الرجال الذين خدموا الحياة لأجيال متعاقبة سواء على الصعيد الفني أو الإنساني وقد سار على منواله إلى حدما جورج كلوني و روبرت ريدفورد  الذي سألته في باريس الأسبوع الماضي حينما التقيته صدفة هناك :
- أعتقد أنك من أشد المعجبين بهذا الرجل؟
قال :- برت لانكستر يمكن أن يصنف على رأس قائمة رواد السينما في العالم ، وقد جسد كل أدوار الحياة المهنية للرجال وأعتقد أنه سوف يكون رمزا عظيما ليس في هوليوود وحدها فحسب بل في أمريكا كلها .
هذه نظرة بسيطة نستعيد من خلالها ذكرى ولادة نجم سينمائي كبير ومخرج ومنتج وإنسان يستحق منا أن نتذكره دائما .
 عن: الديلي تلغراف