في محاولة غير متأخرة، تسعى مشيخة قطر لاستعادة دورها في مجلس التعاون الخليجي، بعد أن لعبت منفردة وخارج الإطار لعدة سنوات، أيقنت في ختامها محدودية الدور الممكن لها، حتى لو كان مؤيداً بمليارات الدولارات التي أنفقتها ذات اليمين وذات الشمال، وبإعلام قادته الجزيرة قبل أن تنكشف، ويتراجع دورها في الشارع العربي، وبعد السقوط المُريع لتجربة الإخوان المسلمين في حكم مصر، وهم الذين تسلموا حكمها بدعم قطري مكشوف، والمؤكد أن تسليم الشيخ السابق المسؤولية لولده تميم، أتت في إطار هذا الإدراك، وربما تكون من جانب آخر محاولة لاستعادة العلاقة الدافئة مع دمشق وطهران.
ليس صحيحا أن زيارات الشيخ تميم الخليجية تحمل بالأساس رسالة سياسية واضحة، مفادها دعم قطر لمبادرة العاهل السعودي بشأن الاتحاد الخليجي، سيكون علينا إن صدقنا ذلك أن ندقق في الموقف الجديد، المتناقض مع الخطاب القطري الرسمي، الذي ظلت المشيخة تُوجّهه باستعلاء إلى جاراتها، طوال ما يقرب من عشرين عاماً من حكم الوالد المُتنازل عن موقعه الأميري، ووزير خارجيته الذي توهم قدرته على أن يكون شخصية دولية فاعلة، فحوّل المشيخة إلى بؤرة لإثارة للفتن والقلاقل والخصومات، على أكثر من صعيد وفي أكثر من زاوية، سواء في مجلس التعاون أو عبر إقليم الشرق الأوسط.
انتهجت قطر فيما سبق سياسة العداء، مُعلناً كان أو خفياً، أولاً ضد الدولة الأكبر في مجلس التعاون، ولم تستثن من تحرشاتها البحرين والإمارات والكويت، وفي الأثناء ظلت متطابقة في سياساتها مع طهران، التي كانت صاحبة الكلمة الأولى في الدوحة، وبحيث انضمت قطر إلى تحالف ضم إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس، ضد جميع من وما في الإقليم، وهي لم تكتف بأدوار ثانوية، بل أقحمت نفسها في تحالفات ثنائية مع الحوثيين في اليمن، ومع كل الجبهات السياسية وأحزاب المعارضة، في المغرب والجزائر وتونس وتشاد والسودان والصومال وجيبوتي واليمن، وكانت قادرةً على التقلب ومناقضة مواقفها، حيث تحالفت مع العقيد القذافي في خلافه مع السعودية، قبل أن تنقلب عليه وتحشد التأييد لمعارضيه، سواء كانوا ليبيين أو دولاً غربيةً وعربيةً، متضررة من سياساته الهوجاء.
مع الجولة التي يقوم بها الشيخ الجديد على الدول الخليجية، وهي بالمناسبة تأتي بعد الدور القطري "المالي" في الإفراج عن معتقلي حزب الله عند المعارضة السورية، يبرز السؤال عن جدية وصدقية رغبة الدوحة الفعلية في العودة إلى الإطار الطبيعي الذي يربط دول مجلس التعاون الخليجي، وهل يمكن للتصريحات البروتوكولية التي أطلقها الشيخ تميم أن تكون كافية لتجاوز ما سلف من خلاف مع الكويت وقبلها البحرين التي لم يحل واحد من الخلافات معها الا بعد اللجوء إلى التحكيم الدولي، لينفجر بعدها دعما بغير حدود للمعارضة وتأجيج الصراع الطائفي والتشكيك بالمواقف الرسمية في البحرين الداعية إلى حوار وطني، وكل ذلك عبر قناة الجزيرة التي تزعم المهنية في نشاطاتها.
لا يمكن الوثوق بأي توجه قطري يقال إنه جديد مالم تكف الدوحة عبر ذراعها الإعلامي عن التشكيك بإرادة الشعب المصري، وموقفه ضد جماعة الإخوان، على الأقل لتنسجم مع مواقف دول مجلس التعاون، قبل انسجامها مع إرادة ومصلحة مصر والمصريين، والقطريين أيضاً، والتخلي عن وهم شرعية مرسي ومرشده، وعدم الانجرار إلى تحالفات بقصد مناكفة بعض الأنظمة، حينها سنصدق أن التغيير في المشيخة أثمر نتائجه.
أي دور لمشيخة قطر؟
[post-views]
نشر في: 6 نوفمبر, 2013: 09:01 م