حين رحل الشاعر الزهاوي ذات يوم من عام 1936 وقف الشاعر معروف الرصافي على قبره وهو يبكيه ويقول :أيها الفيلسوف عشت مضنىمثل ميت وصرت بالموت حياًسوف يبقى بين الورى لك ذكرٌناطقاً بالبقــاء لم يخش شيَّاً .إن جميل صدقي الزهاوي الذي قال عنه طه حسين بأنه معري
حين رحل الشاعر الزهاوي ذات يوم من عام 1936 وقف الشاعر معروف الرصافي على قبره وهو يبكيه ويقول :
أيها الفيلسوف عشت مضنى
مثل ميت وصرت بالموت حياً
سوف يبقى بين الورى لك ذكرٌ
ناطقاً بالبقــاء لم يخش شيَّاً .
إن جميل صدقي الزهاوي الذي قال عنه طه حسين بأنه معري العصر بقي في الذاكرة العراقية غصناً أخضر وعلامة مميزة للتمرد على العادات البالية وداعية للتحرر والتجديد, وما زال مقهى الزهاوي يذكرنا يومياً بالمعارك الأدبية والمجالس الحافلة بالسجالات والنقاشات لهذا العراقي الكردي القادم من السليمانية إلى بغداد ليشكل مع الرصافي ثنائياً شعرياً أسس لشعرية عراقية مميزة منذ بدايات الدولة العراقية.
تميزت علاقة الشاعرين الرصافي والزهاوي بالتوتر والشد والجذب فاتفقا حيناً واختلفا أحياناً كثيرة, لكن كلاهما كان على ضفة الحرية ومع آمال الشعب العراقي وكانا رمزين أساسيين في المشهد الثقافي العراقي في ذلك الحين, إلى حد أن عميد الأدب العربي وبعد وفاة أحمد شوقي كتب في صحيفة "البلاغ" مقالاً جاء فيه (إن إمارة الشعر قد انتقلت من وادي النيل إلى وادي الرافدين).
خاض الزهاوي معارك أدبية من أجل تحرير المرأة والخروج من شرنقة العادات المتهرئة ودعا إلى التعلم والانفلات من الماضي ،فكان بذلك شبيهاً بالشاعر الراحل محمد جواد الغبان. وكان ذلك مبعث معاناة كثيرة سببت له متاعب وفقدان وظيفة وهذا ما دعاه إلى الرحيل إلى مصر حيناً والعودة مجدداً إلى بغداد .
إن هذا الشاعر ودوره ومكانته ومواقفه الجريئة بحاجة إلى المزيد من التنقيب والبحث والتقييم للتعريف به ،وشعره المكتوب باللغة الكردية والعربية يستحق اهتماماً أوسع, لذلك أقدمت وزارة الثقافة على طبع مجلدين في نحو (900) صفحة يضمان كل ما كتب عن الزهاوي في الصحف العربية والكتب الصادرة عنه منذ أربعينات القرن الماضي ولغاية الآن, وذلك بالتعاون مع (مركز الزهاوي) للثقافة والتراث .وفي يوم 2/11/2013 أقيمت ندوة حول دور ومكانة هذا الشاعر الكبير حاضر فيها الباحث (عبدالحميد الرشودي) الذي شرح بالتفصيل سيرة حياة ومواقف الزهاوي وأثره في المشهد الثقافي والاجتماعي العراقي ومعاركه وسجالاته.
وخلال الكلمة التي ألقيناها في الندوة أكدنا على الطابع التحرري الجريء لهذا الشاعر، فقد أثار الزهاوي مواضيع حرية المرأة منذ عشرينات القرن الماضي واتخذ مواقف سياسية واجتماعية متقدمة جداً.