TOP

جريدة المدى > عام > تواطؤاً مع الزرقة أم حنيناً إلى الماضي؟!

تواطؤاً مع الزرقة أم حنيناً إلى الماضي؟!

نشر في: 8 نوفمبر, 2013: 09:01 م

الكتاب : تواطؤاً مع الزرقة  شعر : حسب الشيخ جعفر  الحجم : من القطع المتوسط ( 237 ) ورقة  الناشر : دار المدى  الطبعة الأولى 2011  المجموعة الشعرية لحسب الشيخ جعفر ، ضمت 123 نصا" ، وكما هو معهود ، كان طابع هذه النصوص أو ال

الكتاب : تواطؤاً مع الزرقة 
شعر : حسب الشيخ جعفر 
الحجم : من القطع المتوسط ( 237 ) ورقة 
الناشر : دار المدى 
الطبعة الأولى 2011 
المجموعة الشعرية لحسب الشيخ جعفر ، ضمت 123 نصا" ، وكما هو معهود ، كان طابع هذه النصوص أو القصائد صوفيا" و مترعا" بالحنين إلى الماضي ، ربما جاءت إهداءاته للنصوص ، تعزيزا" وتقديرا" لأدباء و أشخاص و مثقفين ، لهم من الذكريات معه أو أن مثل هذا الإهداء جاء من باب الإعجاب أو حتى من باب اللقاء الحُلم ، أو أن مواقفهم الشخصية تجاهه استحقت الإهداء . 
الشاعر عبر نصوصه هذه ، يتخذ من التعفف و الفضيلة كجوهر في إعلان صوفيته و ( رهبنته ) ، فهو يبتدع الصور ثم يتحرك في إطارها ، يلتقط الصور و يكوّن حركتها و ديناميتها ، لا يتخفى وراء صوره ، بل يوجهها إلى مشتهاه و مبتغاه ، فهو ينعزل في صوره ، لكن هذه الصور تتحرك في الاتجاهات التي يرنو إليها الشاعر ، ويكاد أن يقول ، هذه نبضاتي و تداعياتي و انكساراتي ! . 
(( غير أني ، و قد عدت ، بعد الإجازة ، 
من رحلة ما ، 
التقيت بها ، في فراشي ، راقدة 
فاستعنت بجارية البيت ، اقترحت 
أن أنام إلى جانب مارية
فإذا استدارت ؟ 
فكن حدّيا" و توخّ السكون ! )) 
تضوع نصوص المجموعة برائحة الحياة اليومية ، و هي بالتالي تدوين ليوميات الشاعر و ذكرياته في الماضي عندما كان في موسكو ، أو في الماضي القريب أو حتى استعارة الماضي البعيد ، و التي ينحو فيها الشاعر منحى متصوفا" كما أسلفنا ، بيد أنه في انعزاله و ابتعاده ، قد اتخذ من هذه العزلة للتأمل الروحي ، لسبر غور عالمه المتخيل ، عالمه الذي ينتشر توجعا" بين محطات ذكرى ، تبدأ من مدينة مسقط رأس الشاعر العمارة ، و ترحل به إلى موسكو حيث يتعانق معها أيديولوجيا" لسنوات عدة ، قبل أن يعود إلى بغداد التي يرحل منها إلى عمان منكسرا" و محبطا" . 
لا يجد في عزلته المستمرة سوى شرابه أنيسا" ، فيجعل منه شريكا" في عزلته و غربته و نصوصه الضاجة بالحزن و الفجيعة والاستذكار ، و ليس هنا الشراب إلا رمز الشاعر في إعلان التمرد و الرفض و المعارضة ، تمرد صامت ينطقه عبر مفردات هذا النص أو
ذاك ، لكنه يعلن في أكثر من نص ، إنه رمزه الروحي ، هذا الرمز الذي يتجسد في مفردات و جمل و إعلانات و إحالات و توصيفات ( ابتع كونياكا" ، بينما البيرة الفاترة ، رائحة الجعة ، أرهقها سكر وسعال ، أضغاث خمور ، كان خمارة يتهاجى بها الشعراء ، أغرك السُكرُ مني ، ستذوق خمرا" لم يذق منها سواي ) . 
فالشاعر هنا في تجسيد رمزه الآنف ، لا يتردد في أن يتموضع في ( خمارة ) أو يكون في ( كأس جعة ) أو في ( السكر المرهق ) ، و الشاعر هنا لا يطرح نصه و يمضي ، بل يتموضع و حيدا" ، معلنا" من خلال نصه و رمزه الذي يضوع رائحة رفضه الصامت . 
(( و الطريق 
في اتجاهين : 
برج الكنيسة و القبو 
( رائحة الجعة ، السمك المتجلد 
و الجُدُر المغضبة ) 
فإلى أين ؟ )) 
دائما" و في أكثر من نص من نصوص الشاعر ، نرى تساؤله : ( إلى أين ؟ ) ، و مثل هذا السؤال أو التساؤل ، يعرض لنا صورة عن حيرة و ضياع و قلق الشاعر ، فالمحطات و المفترقات كثيرة في طريقه ، و كلما أراد الخروج و الانطلاق من صومعة العزلة والانكفاء ، حتى دهمته مصدات مانعة ، فيعود القهقرى ، فتبدو نصوصه في المجموعة مترددة و خائفة ، تتمرد في الصمت ، بيد أن هذا التمرد يشع تظاهرا" في هذه النصوص . 
و لذلك ، فإن كل مظاهر التمرد و الرفض و المعارضة ، تتمثل لدى الشاعر في الصور الشعرية التي تعكس حنينه إلى الماضي ، الماضي المترف آيديولوجيا" ، و من هذا فكل نصوص الشاعر تقف وراءها أغراض سياسية مؤطرة بالتداعيات الذاتية و الحياة اليومية ، و التوصيفات الاستذكارية ، و ربما تكون التوجعات الذاتية ، هي مرآة للإحباطات السياسية و الأيديولوجية بالنسبة للشاعر . 
(( قصر هرم 
يتحوطه الدرب الأغبر 
لم يقطنه إلا الصمت الأصفر 
منذ انتحرت في القبو 
السيدة المخبولة و ارتحل الخدم .. )) 
يمنح الشاعر ذكرياته في موسكو حيزا" واسعا" في نصوصه ، وهذه الذكريات بقدر ما هي أثيرة على الشاعر ، بقدر ما هي تعيد الشاعر إلى أوجه الأيديولوجي عندما كان طالبا" ، فالنصوص وسيلة معبرة عن الذكريات و الطموحات السياسية ، و هي أيضا" معبرة عن تداعيات و إحباطات الشاعر في نفس الوقت ، و هي بالتالي رجع بعيد ، مثلما هي تمثل انكساراته و توجعاته في الحاضر ، هذا الحاضر الذي ظل يقيده بالترحال و الضياع .
3
وعلى العكس من رحلته إلى موسكو ، كانت رحلة الاغتراف الأيديولوجي و القرب من المنهل و الاستيقاظ في واقع ( الحلم ) ، الحلم الذي كان ينتشي به عندما كان في صباه في ريف العمارة ، هذا الحلم الذي ربما تبدد لديه ، عندما يرحل إلى عمان ، ثم يعود إلى بغداد ، حاملا" أثقال إحباطه المتجدد و سيل من الذكريات .
(( و تلمست منها يداي 
كتفا" ، ذراعا" ، 
و هي تضحك .. 
لم يزل منها على جلدي احمرار فم 
و زرقة عضة متجدده ! )) 
في هذا النص ، يكشف الشاعر انتقال رمزه الروحي الآنف إلى رمز جسدي ( زرقة عضة متجدده ) ، و بهذا الانتقال يكون الشاعر ، قد بلغ من الإحباط مبلغا" كبيرا" ، و ليس من المستبعد أن يكون وراء هذا الانتقال ، هو الإعلان عن هزيمته ، الهزيمة الروحية أولا" ، و الهزيمة الجسدية آخرا" ، و هو في نفس الوقت يعلن عن تحوّل في رموزه ، مثلما يعلن عن اضطراب رؤيته ، هذا الاضطراب الذي جعله في تيه الترحال و الانتقال ، قبل أن يعود إلى انعزاله وتقوقعه من جديد ، ربما يكون ترحاله الأخير رحلة بحث جديدة ، لكن عودته إلى بغداد من جديد أيضا" تمثل عودة مهزوم . 
حسب الشيخ جعفر ، لا يستطع الخلاص من عالمه المنعزل ، و لا يستطيع أيضا" ، من خلال هذه العودة الانقطاع عن التساؤلات . 
(( فلماذا الخروج ، و لا أحد في انتظارك، 
لا أحد أو فتاة 
قد تضاحك نظرتك الغائمةْ 
بتلافيف ( فلسفة ) قاتمةْ 
أو تقاسمك الرشفة المرتجاة ؟ 
فلماذا التأفف مبتئسا" ؟ 
و لماذا الضياع ؟ )
تطغى على لغة النصوص ، الاستذكارات و الإهداءات ، و كأن الشاعر أراد أن يجعل من همه تناصّ" مع الذين ذُكرت أسماؤهم في هذه الإهداءات ، و يأتي مثل هذا الأمر أيضا" من باب المواساة و التعزية و جبر الخواطر ، إلا أن عمق هذه الإهداءات والاستذكارات ، جاء في التي كانت موجهة إلى الراحلين ، كما هو الإهداء في ذكرى الجواهري ، فهذا الاستذكار كان مناسبة لمزج هم الشاعر مع هموم الجواهري في حياته ، مثلما هي مناسبة لتجديد و إثارة هذه الهموم من خلال هذه الذكرى . 
(( في أيّما بلد 
قيل : ( الفراتان ماتا في العراق ) فهل 
أبقت لنا الضفة الزوراء من أحد ؟ )) 
هذا التساؤل المهموم ، يكشف الصور التي تنوعت بها هذه المجموعة ، كما يكشف مرة أخرى عن وجع الشاعر المتمثل في الخيبة و الإحباط ، و على هذا المسرى و الاتجاه ، يأتي إيقاع نصوصه في المضمون و الانتقالات الصورية في الرمز و المدلول معا" ، ليشكل الشاعر في مجموعته هذه ، إضافة شعرية أخرى إلى تجربته الشعرية ، التي توزعت بين القصيدة المدورة و النص اللمحة ( القصير ) ، ليعزز بالتالي ألق الشعر العراقي الحديث في موجته الستينية ، التي أعقبت موجة رواد الشعر العراقي الحديث ، و قد كان و مايزال حسب الشيخ جعفر شاعرا" مهموما" في تعزيز بناء القصيدة الستينية الحديثة في التواصل و الابتكار . 
ربما تكون مجموعة حسب الشيخ جعفر هذه ، صورة تعميمية وتخصيصية في آن ، أي أنها طرحت الخاص و العام ، بصورة المأساة و الفجيعة و الاستذكار ، فكانت نصوصا" قصيرة و ذات لمحة معبرة و مجسدة كل الهموم و الأوجاع والرثاء . 
حسب الشيخ جعفر ، يحاول استنهاض الشعر الستيني إلى ربيع الألق و السمو و الازدهار ، بيد أنه يعترف بمجيء الخريف ، هذا الخريف المتوزع في مدلولاته و رموزه ، إلى الحد الذي يجعلنا نحن أيضا" نتساءل : عن أي خريف يتحدث الشاعر ، عن خريف الشعر أم عن خريف الشاعر أم عن خريف الوطن ؟ ! 
(( جاء الخريف الشيخ حطابا" بلا فأس 
كما يخلو الهنود الحمر ، 
في الشفق البطيء ، 
إلى رماد حرائق أخرى )) 
 قراءة : عبد الزهرة الركابي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram