اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين زها حديد ومعرض جمعية التشكيليين

بين زها حديد ومعرض جمعية التشكيليين

نشر في: 8 نوفمبر, 2013: 09:01 م

يحتفل العالم هذه الأيام بحصول المعمارية البريطانية ( من أصل عراقي ) زها حديد على جائزة جديدة باعتبارها أفضل سيدة أعمال أثبتت قدرة كبيرة ونجاحاً واضحاً في مجالها الذي تعمل وتتحرك فيه وحصلت على مكانة كبيرة ومميزة ومتفردة ، خاصة وهي تشق طريقها بنجاح قلّ نظيره وسط عالم كان حكراً على الرجال ، وأقصد هنا الهندسة المعمارية . حديد تستحق مثل هذه الجائزة بالتأكيد ، فهي ، إضافة إلى حضورها الشخصي والكاريزما التي تتمتع بها ، تتميز بقوة وغرابة تصاميمها التي تبدو من الاستحالة تنفيذها حين نراها لأول وهلة على الورق ، لكنها طوّعت كل تلك الغرابة إلى صالحها وأنتجت أعمالها بنجاح وسط ذهول الكثير من المختصين في عالم العمارة والتصميم . هي من حقها أن تشاهد الناس في أرجاء المعمورة وهي ترفع الكؤوس لتشرب نخبها وتلوح لنجاحها الذي بنته حجراً فوق حجر وخطاً على خط ، كما تصنع بناياتها ذات الأشكال الغريبة وغير المألوفة . النجاح جميل وممتع حين نراه في عيون الناس وإشاراتهم واهتمامهم . وكل نجاح له شروطه ومسبباته ، ابتداء بشخصية الفنان نفسه وموهبته وانتهاء بالمناخ الفني أو الإبداعي الصحيح الذي يتربى فيه ويطوّر موهبته . زها حديد شخص واحد ناجح يحتفي به الجميع ، بعد أن اجتهدت وشقت طريقها رغم كل الصعاب ، وهذه النتيجة مسألة طبيعية وعادلة .
هنا أستأذن زها حديد قليلاً ، لأميل رأسي بحنو ومحبة نحو بقعة أخرى لا أستطيع تجاهلها في هذا العالم ، أميله باتجاه بغداد حيث يقام معرض كبير في جمعية الفنانين التشكيليين ، يضم أعمال العشرات من خيرة الفنانين الموجودين داخل البلد ، ومع ذلك لا يحضره سوى الفنانين المشاركين وبعض معارفهم ، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجمعية في التنظيم واستقطاب الفنانين للمشاركة ومساهمة هؤلاء في معرض وطني يمثل خلاصة تجاربهم التشكيلية . المسألة تدعو إلى المرارة بالتأكيد والحزن أيضاً على جهود فنانين لا يرى أعمالهم جمهور ولا تحتفل بنجاحهم مؤسسات الدولة ولا يرفع نخب حضورهم أحد .
هنا لا يمكننا المقارنة بالتأكيد بين حديد التي نالت فرصاً حقيقية تستحقها ووصلت إلى مكانة مرموقة ليس فقط بفضل موهبتها الساطعة ، بل أيضاً بسبب الناس الذين قدروا موهبتها ومنحوها تلك الفرص ، هذه المبدعة التي لو بقيت في العراق ( مع الأسف للتوصيف ) لكانت الآن ربما تراجع إحدى الدوائر للحصول على تقاعد زوجها القتيل بمفخخة ، أقول ربما . وفي نفس الوقت لو أعطيت لبعض الفنانين الحقيقيين الموجودين في العراق فرصاً مناسبة ورعاية جيدة ، لتغيّر وضعهم على خريطة الفن تماماً ، فالفن الكبير والمؤثر لا تصنعه المواهب فقط ، بل عوامل كثيرة مجتمعة . أكتب هذا الكلام ونحن نرى ونسمع كيف وصل الحال مع الفن والفنانين داخل العراق ، ابتداء من صعوبة أو انعدام تسويق اللوحات وليس انتهاء بالمحرمات والتابوات العديدة . كيف نطمح لاهتمام حقيقي بالفن ونحن نرى التحريم وصل حتى إلى بعض الدمى البلاستيكية التي توضع داخل فترينات المحال والتي تغطى بالملابس لغرض الدعاية والعرض ، فقط كي يرى الزبائن تلك البلوزة أو هذا البنطال بشكل أفضل . كيف نشعر بانفتاح حقيقي على الفن وهناك من يدعو إلى تحريم الرسم ؟! قبل أن نطالب العالم أن يحتفي بنا وبأعمالنا علينا أن نعيش في وسط صحي يحب الفن مثلما يحب الناس والحياة ، كيف تستطيع دمية من البلاستيك أن تهدد خلاصة ذائقتنا الفنية ؟ كيف نخشى لوحة لامرأة عارية ونحن الذين اكتشفنا الرسم قبل سبعة آلاف سنة ؟!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ماضي حسن

    مقالة رائعة شخصت الواقع المرير للفنان العراقي في الداخل , وتدهوره , واحباطه في نظر الجمهور الجديد, الذي تثقف على مناهج مغاير للإبداع الحر , وفعلا لو لا حضور الفنانين المشتركين لغرض متابعة عملهم المعروض , لخلت القاعة من زوارها واختلت بجدرانها فقط ,وان المع

  2. محمود المعمار ( عمو محمود )

    اننا لانحتاج فقط الى فناّنين عظام وجمهور ، بل ايضآ الى كتّاب وناقدين للفن يحملون القلم وضمائرهم يسطّرون بها هموم وواقع هذا الوطن . مقالة الفنّان ستّار كاووش نموذج راقي من التعبير عن مايعتلج في قلوبنا من لوعه .!

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram