كنتيجة حتمية لواقعها المأزوم على كل المستويات، تجد حركة حماس نفسها مجبرة على مراجعة مواقفها وموقعها، وترتيب أولويات يبدو أنها ستقودها للعب دور مضاد للتحالف الجديد الذي ينشأ في المنطقة بفعل التحديات، ويضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، وهرباً من حرج وصف موقفها بالمتراجع، فإنها تصف ما تقوم به حالياً بأنه قراءة سياسية، تفرض تحديد وجهة، وصياغة تحالفات جديدة، إضافة لخسارتها للقاهرة بعد سقوط حكم الإخوان، وهي هنا ستعمل حتماً على خلق موقع جديد، تنطلق منه لبناء تحالفات جديدة، قد تساعدها على النهوض، وأداء دور في المرحلة المقبلة.
تقف حماس في مواجهة معضلات يراها البعض مصيرية، إذ عليها الاختيار بين كونها بعضاً من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو حركة مقاومة تخوض حرباً تحريرية، وبين كونها مسؤولة عن إدارة شؤون قطاع غزة، المحاصر بفعل سياساتها، أو بتنظيمها الذي يسعى للتمدد في أوساط فلسطينيي المنافي، لكن أبرز ما عليها مواجهته، هو سقوط حكم إخوان مصر، وما يتبع ذلك من زعزعة لمواقف إخوان السودان وليبيا وسوريا والعراق، وتسعى قيادة حماس لتجاوز كل ذلك، على قاعدة قراءة للواقع، مفادها أن تداعيات الربيع العربي أثرت سلباً على كل أنظمة الشرق الأوسط، ، فقد خسر معسكر الاعتدال نظام مبارك، فيما يخسر محور المقاومة استقرار سوريا، دون كسب النظام الجديد في مصر.
تتوهم حماس اليوم، ربما بفعل أزمتها، أن السعودية تقود تكتلاً ضدها، بسبب دعم الرياض للشعب المصري في موقفه من حكم الإخوان، والدعم الذي تقدمه للشعب السوري ضد نظام الأسد، وموقفها المناهض للسلاح النووي الإيراني، ودعمها للاستقلاليين في لبنان، الرافضين لتبعية وطنهم لطهران بفعل قوة حزب الله، كما تتوهم أن الرياض تحشد لذلك في الإمارات والأردن، متجاهلة أن نظامي البلدين يدركان انهما يواجهان حركة أصولية عابرة للجغرافيا، تسعى للحكم في ظل المرشد، بمعنى أنها حركة غير وطنية، تضع مصلحة التنظيم كأولوية، حتى لو كان في الباكستان أو ماليزيا.
بالرغم من رفض طهران المؤدب لزيارة خالد مشعل لطهران، بحجة الانشغال بالملف السوري وتداعياته، فإن حماس تسعى للعب دور المساعد للقيادة الإيرانية في لملمة حلف المقاومة، من خلال ترطيب الأجواء بين إيران من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، على أن يكون ثمن ذلك دعم إيراني لترطيب الأجواء بين حماس ودمشق وضاحية بيروت الجنوبية، والقيادة الإيرانية وتحديداً في الحرس الثوري ترحب بهذا الدور، ويقال إنها استأنفت دعم حكومة إسماعيل هنية المُقالة في غزة، رغم رفضها استقبال مشعل، وبما يؤشر إلى نواياها في تغليب فريق على الآخر، في الحركة الفاقدة لبوصلتها في هذه المرحلة.
تدخل حماس منطقة شديدة الخطورة، تتمثل في الصراع الطائفي بين طهران والرياض، حيث يستعمل الطرفان كل الأسلحة المتاحة، بما فيها الدعم الشيعي لتنظيم سُنّي لمواجهة تنظيمات سُنّية ترعاها السعودية، وكان من بينها حماس في فترات سابقة ، وترى حماس أن الدعم السعودي لمناهضي الأسد ينبع من رغبتها في إسقاط نظام "علوي" يدعم تيارات معادية للفكر الوهابي، وتؤمن أن مصلحتها ومعها الإخوان المسلمين، تكمن في تعزيز علاقتها مع المحور الذي تقوده إيران، وهي لذلك تعمل على تعضيد نظام الأسد، باحتوائها مقاتلين محسوبين عليها، ولعب دور في تحييد المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان عن الأزمات القائمة، إرضاءً للأخ الأكبر في طهران، الراضي عن هذا الدور، ولو مع ترتيبات جديدة للعلاقة معها، لكن الأبرز هنا، هو استعداد حزب الله للتعاون واستعادة الحرارة وكل الثقة، ورغبة دمشق المواربة في استئناف العلاقة، التي تضررت بفعل انحياز حماس لمطالب السوريين، حين ظنت أنهم اقتربوا من إطاحة الأسد، وبذلك ترهن حماس مستقبلها للصراعات الإقليمية، بعيداً عن أي تفكير بتحرير فلسطين.
حماس تهرب من واقعها.. إلى أين؟
[post-views]
نشر في: 8 نوفمبر, 2013: 09:01 م