زعل مني احدهم ذات نهار. كنت معزوما فيه عند رجل دين من المتنورين والباحثين المتميزين، عندما وصفت مراسيم العزاء الحسيني، خاصة اللطميات منها، بأنها جزء من التراث الشعبي العراقي العام وليست حكرا على الدين أو المذهب. دفعني لهذه المداخلة اني وجدت كثيرا من السياسيين صاروا يمارسونها للكشخة السياسية وكسب عواطف الناخبين من البسطاء. استشهدت برأي لباحث عراقي تناول في مقال له استغلال السياسيين العراقيين للتعازي الحسينية. رد الزعلان علي بدم بارد: وهل صاحبك الباحث هذا إمام معصوم؟! لا شيء يثير شفقة الإنسان على نفسه أكثر من تلك اللحظة التي يطرح فيها فكرة في المكان الخطأ.
البارحة مررت على عدد من الفضائيات ومثلها من المواقع بهدف الاستماع إلى اللطميات في هذه الايام. اول ما لمسته هو ان هناك ارتفاعا هائلا بالكم على حساب النوع. ورغم اني قد ابدو متطرفا بعض الشيء، او سموني قاسيا، لكني أقولها بصراحة اني لم احظ بلطمية واحدة جديدة أثارت بروحي ما كانت تثيره لطميات أيام زمان، إن صح تصنيفي هذا. يبدو لي انه، وبسبب قاعدة "لا يحق لك نقد ما يخص الإمام الحسين" الا إذا كنت معصوما، حسب تصريح صاحبنا "الزعلان"، قد ابتعد الشعراء الجيدون عن إغناء هذا التراث الكبير بإبداعاتهم.
لم يكن جمهور المراثي الحسينية سابقا منحصرا بالمتدينين. ولم يكن شعراء القصيدة الحسينية كذلك. هل هناك عراقي واحد، مسلم او غير مسلم، لا يتذكر ذلك السؤال الشجي والعذب: "جابر يجابر ما دريت بكربله شصار؟". ألم يصبح مثل المثل السائر على ألسنة العراقيين؟ لماذا؟ لأن النص في اللطميات، على عكس الأغاني، أهم من اللحن.
نعم صوت الرادود مهم. ولحن اللطمية مهم أيضاً. لكن كلماتها هي التي كانت تنعش ذائقة الناس من جانب، وترعب الطغاة من جانب آخر. كلمات اللطميات التي اسمعها اليوم، ورغم التقنيات المستخدمة في إخراجها وتكبير إيقاعاتها حتى ان بعضها صار يخرج على شكل "فيديو كليب"، أكاد اجزم انها لا تخيف مستبدا ولا تفزع فاسدا مثلما كانت تفعل لطمية "يحسين بضمايرنه".
سأكتفي بقولي هذا ولي أحاديث أخرى في هذا المضمار وكلام سأكتبه خلال العشرة الأولى من محرم الحرام. واقول للقارئ: نار اليوجرها الدهر كلي شيطفيها؟
جابـر يجابـر
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2013: 09:01 م