كنا نتمنى أن نُصدق وزير الخارجية الاميركي جون كيري، وهو "يؤكد" رفض بلاده البناء الإستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصفه بأنه غير شرعي، وأن نأخذ على محمل الجد تحذيره لإسرائيل، من مغبة انهيار المفاوضات مع الفلسطينيين، وتنبيهها إلى أنها ستواجه عزلة دولية واحتمال انتفاضة ثالثة، إذا لم تتوصل إلى تقدم في جهود السلام مع الفلسطينيين، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة نتنياهو الموافقة على المضي في بناء 3700 وحدة استيطانية جديدة، وليس مفهوماً كيف تجرّأ بعد هذا النبأ، على الإعلان عن تقدم هام في محادثاته مع الفلسطينيين والإسرائيليين، حول عدد من الأمور التي تقلقه، وأن المهم عند إدارة الرئيس أوباما أن تكون هناك إمكانية للتقدم بحذر وبهدوء، معتبراً أنه من الضروري أن يعمل المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون، على التوصل إلى اتفاق بخصوص الوضع النهائي.
يقضي كيري الكثير من الوقت في رحلات مكوكية بين عواصم المنطقة، ويبدو أنه مُصرٌ "شخصياً" على تحقيق إنجاز ما، غير أنه مُقيد بموقف إدارته في واشنطن، المُقيدة بدورها بضغوط اللوبي الصهيوني، والإجراءات الاسرائيلية، ما يُفقدها القدرة على تحقيق انجاز ديبلوماسي، ولو كان محدوداً، إضافةً إلى عدم رغبتها في إغضاب حليفها الأساسي في المنطقة، في وقت هي في أمس الحاجة إلى وقوفه بجانبها، وخصوصاً في ظل توتر علاقاتها مع حلفائها من الدول العربية، وفي ظل المفاوضات الدائرة مع إيران، بشأن إيجاد حل للبرنامج النووي الإيراني، بينما يُصر الجانب الفلسطيني على رفضه المطلق لاستمرار الاستيطان.
بالتوازي مع محاولات كيري إحداث اختراق في العملية التفاوضية، ولو لتستمر دون التوصل إلى نتائج، خصوصاً وهو يصفها بأنها صعبة، وأن البديل هو استمرار الصراع ومعاناة شعوب المنطقة، فإن حكومة نتنياهو تناور لإفشال أي تقدم، من خلال محاولاتها لتحميل المفاوض الفلسطيني مسؤولية الفشل، وداخلياً ستضم إلى صفوفها أفيغدور ليبرمان، الوزير الأكثر تشدداً وعنصرية، ما يزيد احتمالات فشل التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، بعد الفترة المحددة لهذه الجولة من المفاوضات، لكن واشنطن لاتهتم كثيراً بهذا الفشل المحتمل، إن تحقق في الاثناء الإنجاز الأكبر الذي تحاول تحقيقه، وهو الاتفاق على صفقة مع إيران.
إن لم تستهدف التدخلات الأميركية، مساعدة الطرفين على المضي قدماً بالمفاوضات، استناداً إلى حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فإن كل جهد يبذل خارج هذا الإطار سيكون عبثياً، وسيكون على المجتمع الدولي عدم ترك البيض كله في السلة الأميركية، والنهوض بدوره في الضغط على نتنياهو، لوقف الإجراءات الأحادية التي تمارسها حكومته في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ودعم المفاوضات التي تُعالج مختلف قضايا الوضع النهائي، وفق جدول زمني واضح.
مرة أخرى يعلن كيري أن دفع عملية السلام يتطلب تقديم تنازلات من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكأنه بقي في جعبة الفلسطينيين ما يتنازلون عنه، وكأن إقرار الاسرائيليين ببعض حقوق الطرف الآخر يُعتبر تنازلاً، وهو إعلان يدعو للتشاؤم، وانتظار ردود فعل لن تكون محسوبة أو متوقعة، سيدفع ثمنها المتعنتون في الدولة العبرية أولاً، وسيدفع حلفاؤهم أثماناً ليس عليهم دفعها، إن هم انحازوا ولو قليلاً إلى جانب الحق، ولم يكن هدفهم مكافاة إسرائيل على احتلالها أراضي الغير، في سابقة لم نشهدها، بينما نرى أن العالم يتعامل مع الاحتلال باعتباره مرفوضاً وأن نتائجه باطلة.
كيري.. وصفة للتشاؤم
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2013: 09:01 م