TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > Central Line

Central Line

نشر في: 10 نوفمبر, 2013: 09:01 م

أقيم في مسكني هذا قرابةَ 15 سنة. على الرصيف، عند مدخلِ البيت شجرةُ تفاح بالغِ صِغَرِ الحجم. قال جاري من بلد السيك يوم تعارفنا: إن تفاحَها لا يصلح إلا لصنع النبيذ. آخر منحدر الشارع الذي أقيم على مرتفعه تقع محطة أندرغراوند لخط "السنترال" الذي يقطع قلب لندن من شرقها إلى غربها. ولأن لكلِّ خطٍ في شبكةِ المواصلاتِ اللندنية التحتِ أرضية هنا لوناً خُصّ به فخطُّ السنترال أحمرُ اللون. وحين يعنُّ لي أن أغادرَ البيت، وقليلاً ما أغادره، باتجاه نشاط موسيقي، فني أو ثقافي في قلب لندن، أجدُني أنحدرُ إلى هذه المحطة.
على مقربةٍ من بيتي في Greenford
تتوقّفُ عرباتُ الـCentral line
لحظاتٍ، ثم تولّي تقطعُ لندنَ نصفينْ
تأخذُني، حين تلحّ عليَّ الأسئلة: إلى أينْ؟
نعم، "إلى أينْ؟" تتكرر مُلحةً. أعترفُ أني، بعد مئات المرات التي خرجتُ فيها، وجدتُ وكأن أمرَ التساؤلِ حدث فجأةً، لحظة توقفتُ حائراً أتساءلُ إذا ما كنت خرجتُ من البيت لهدفٍ أقصده عن وعي ونيةٍ مُبيّةٍ، أمْ خرجتُ تحت تأثيرِ هدفٍ اقتَرحَه، إن لم أقلْ فرضَه، عليَّ خطُّ السنترال الأحمر؟ إنه قادرٌ أن يفرضه عليّ، لأني في كل مرةٍ أتركُ البيتَ أتّجه إليه، ولا خيار. أرتقي إحدى عرباته، وأعرفُ عنْ غيبٍ كلَّ محطة يقفُ فيها. ولابدَّ أنّ عنصراً يخصُّ اللاوعي في كياني يشارك من حيث لا أعرف في نسيج هذه العملية. أقصدُ عمليةَ التوجّه واختيارِ الهدف..
لشوارعَ ومبانٍ وحدائقَ أفسدَها التكرارْ،
أتصيّدُ بين مراياها النُسخَ الحائلةَ اللونِ لوجهي،
ثم أعودُ بذات "الخطِّ الأحمرِ" للدارْ.
من إطلالة Waterloo يُدهشني أن كمالَ المشهد سرعانْ
ما يبدو لي لوحةَ فوتوغرافٍ بإطارْ
في معرض،
وأنّ الحشدَ السائحَ، إذْ تتبعثر فيه الألوانْ
كوليمةِ عرسٍ، يبدو لي عرْضاً في شاشةِ تلفاز.
يحدث هذا، رغم سحر المشهد، بفعل التكرار ربما. وربما بفعل ذاكرة الماضي التي تمتص دمَ المشهد في الحاضر لتتركه شاحباً لا حياة فيه. وربما بفعلِ حالة اغتراب مرَضيةٍ أُخفيها عن إرادةٍ. لا أعرف تماماً كيفَ أُمسكُ بطرفِ الخيطِ، أُتابعُه كيْ أخرجَ من متاهةِ الأسئلة. حينَ أُدعى لحفل ما أتكوّر مثل فراغٍ أصلب من حصاة،
وإذا ما اقتحمتْ كلَّ محاذيري
سيدةٌ في حفلٍ، أتَلبَّسُ دورَ المنفي
عن غير إرادة.
هذا الأمرُ يُدهشني أنا الآخر. إذْ كيف يتلبّسُ المنفيُّ دورَ المنفيّ مُرغَماً؟ ألا يقتحم اللاوعيُ المشهدَ من جديد؟ وأعود أخيراً إلى البيت،
وإذا ما انتصفَ الليلُ
واسترختْ قدّامي فوقَ المقعدِ سنواتُ العزلةِ والتيه،
في هيئةٍ سيدةٍ هرمة،
أخرجتُ جوازَ السفر
وقضينا الليلَ نحدّقُ فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram