قراءة الصور فن صعب المراس،مهنة شاقة لا يجيدها إلا قلة من المحنكين. رب تفاصيل صورة تغني عن قراءة مقال، أو استقراء فصول كتاب. لذا تعتمد الأجهزة الإدارية والمخابراتية في الدول الكبرى نفرا من المتمرسين و, وتوكل اليهم قراءة (صورة ما)لاعتماد (الف بائها) وإخضاع تفاصيلها للدرس والتمحيص لغرض التوثيق والتحليل , والاستنتاج , ومن ثم , وعلى هدي الصورة يتخذ القرار وغالبا ما يكون قراراً مصيرياً.
يتداعى موضوع الصور في الذاكرة , اثر نشر وبث صور السيد رئيس الوزراء نوري المالكي, وهو يجالس الرئيس الأمريكي أوباما , وهو يشد على يده , وهو يودعه.
تحيلني هذه الصور لأخريات:حين ظهر الشاه في آخر ساعات حكمه , ملامحه فاضحة معاناته ومبلغ مرارته , ثم صوره حائرا مخذولا من الأصدقاء والحلفاء ملتاعاً بين حدود البلدان التي كانت صديقة وهي تعتذر عن استقباله ناهيك عن ضيافته.
الصورة الأخرى التي لا تغادر الذاكرة: ذاك المشهد الدرامي بمنصة الاستعراض التي اغتيل عليها السادات , وصوت قيل انه لحسني مبارك يسأل بهستيرية فاضحة: (الريس فين , الريس فين), وصورة السادات منكفئا على وجهه, مضرجاً بدمائه , وكل ضيوفه وأركان حكمه ينفضّون من حوله طلبا للنجاة , لا يبالي واحدهم ان كان هذا الكرسي قد سقط على الجسد المسجى أم أن قوائم تلك المنضدة انغرست في الصدر المضرج بالدم.
الصورة الأخرى التي لا تبارح الذاكرة: صورة الراحلة (مارغريت تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا وهي تغادر مقرها الرئاسي شبه مطرودة , تحاول جاهدة زجر دمعة تترقرق بين الجفن والمقلة وعلى وملامحها كل إمارات الخيبة بعد ثلاث دورات انتخابية فاز ت بها بأغلبية ساحقة, كانت فيها السيدة التي لا يعصى لها أمر , كفٌّ من حديد وقفازٌ من حرير.
تحيلني تلك التداعيات ـــ وغيرها كثير ـــ لصور مبثوثة عبر وسائل الإعلام لدولة رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يجالس الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض.
قهقهة الضحكة المجلجلة للرئيس الأمريكي, تخترق المشهد وتقرأ كجملة اعتراضية مكتوبة بالفصحى.
لا ندري أهي ضحكة شماتة؟ أهي ضحكة ظفر وفوز على خصم حليف؟ أهي ضحكة استهانة وتقريع وزجر؟ أهي ضحكة ترضية واسترضاء؟
بينما الابتسامة الشاحبة كأنها مرسومة قسرا على شفاه السيد رئيس الوزراء تتحدث بالفصحى وتشي بالكثير. هل قرأها المخضرمون على أنها ابتسامة نوال؟ خيبة؟ ابتسامة من هزم؟ ابتسامة من تذرع بالصبر؟.
قراءة الصورة تتجلى ايضا في قراءة لغة الجسد , درجة استرخاء الضيف او تأزمه، ازورار المضيف. تجهمه , تصالب القدمين،وضع الساق على الساق , الانحناءة، شد اليد عند اللقاء , الإطراقة , الايماءة , الشحوب البين , إشارة , ومضة العيون الخابية اشارة ,الصورة خارج الاطار إشارة , التفاصيل خلف المشهد المرئي , أمامه , حوله ,امر لا يستهان به لدى صناع القرار تنتدب له مدارس الدبلوماسية الغربية ابرع الأساتذة وتجند له اقصى الإمكانات.
حين تتحول القهقهة نحيباً داخلياً لدى الطرف الآخر وتبدو المصافحة الحارة باردة. حينها يصير سطح الصورة قاعها. عندئذ تغدو الصورة كتاباً مفتوحاً تسهل قراءته بعيون تحسن فن القراءة.ا
فن استنطاق الصور
[post-views]
نشر في: 10 نوفمبر, 2013: 09:01 م