TOP

جريدة المدى > عام > من حوار مع أورهان باموك عاشق اسطنبول:على تركيا ألا تقلق لامتلاكها روحين تعودان لثقافتين مختلفتين

من حوار مع أورهان باموك عاشق اسطنبول:على تركيا ألا تقلق لامتلاكها روحين تعودان لثقافتين مختلفتين

نشر في: 12 نوفمبر, 2013: 09:01 م

القسم الثاني  *هل تعني أنك تقوم بمسح شامل لتضاريس كتابك كاملا منذ البداية ؟ - نعم . خذ مثالا روايتي ( اسمي أحمر ) التي تضم عددا من الشخصيات و قد أفردت لكل شخصية عددا من الفصول . عندما كنت أكتب الرواية أردت التماهي معها بكوني واحدا من الشخصيات

القسم الثاني 
*هل تعني أنك تقوم بمسح شامل لتضاريس كتابك كاملا منذ البداية ؟
- نعم . خذ مثالا روايتي ( اسمي أحمر ) التي تضم عددا من الشخصيات و قد أفردت لكل شخصية عددا من الفصول . عندما كنت أكتب الرواية أردت التماهي معها بكوني واحدا من الشخصيات فيها، لذا عندما أنهيت كتابة الفصول الخاصة بـ ( شيكوري ) و أظنه الفصل السابع انتقلت إلى الفصل الحادي عشر و هو فصل يعود للشخصية ذاتها أيضا .أحببت أن أكون ( شيكوري ) في الرواية . إن الانتقال من الشخصيات الروائية الى ما أنت عليه في حقيقتك، قد يكون تجربة قاسية و باعثة على الاكتئاب المرير ، لكن ثمة استثناء واحد في كل كتاب أكتبه : الخاتمة ، و التي أكتبها دوما في نهاية العمل و ذاك أمر محسوم تماما 
* هل هناك من تقرأ عليه ما تكتب بشكل دائم ؟
- أقرأ أعمالي دائما لمن يتشارك العيش معي و أكون ممتنا لو قال لي : اقرأ لي المزيد او اقرأ لي ما كتبت اليوم ، فهذا يمنحني شحنة ودفعة إضافية للعمل، يحصل أحيانا ان يقول لي من أقرأ له : آسف لن أشتري كتابا من هذا النوع، و هو أمر أراه محمودا ايضا . أحب دائما ذكر الكاتب ( توماس مان ) كاتبي الأثير الذي اعتاد جمع أفراد عائلته كلهم و قراءة العمل كاملا لهم . أحب هذا التقليد في القراءة .
* عندما كنت شابا أردت ان تكون رساما . متى فسح حبك للرسم الطريق أمام حبك للكتابة ؟
- حصل هذا التحول عندما كنت في الثانية و العشرين . عندما كنت طفلا في السابعة اردت ان أكون رساما ووافقت عائلتي على فكرتي هذه وظننت أنني سأكون رساما عالميا ثم أدركت ان ثمة خطأ ما في المسألة برمتها فتوقفت عن الرسم و شرعت فورا بكتابة روايتي الاولى .
* هلا أسهبت قليلا في بيان سبب التحول هذا ؟
- لا أستطيع الحديث عن أية أسباب محددة وراء تحولي من الرسم الى الكتابة ،نشرت حديثا كتابا عن اسطنبول نصفه هو سيرتي الذاتية حتى لحظة تحولي الى عالم الكتابة و نصفه الآخر مقالة عن اسطنبول أو بشكل أدق رؤيتي لاسطنبول و هي خليط من التفكير حول الصور و تضاريس المكان و الكيمياء الإسطنبولية، تقول العبارة الختامية في الكتاب " لا أريد أن أكون فنانا ،قلت لنفسي، سأكون كاتبا " و لكن لم أفهم يوما سبب تحولي أبدا فربما قراءة الكتاب كاملا توضح شيئا من الأسباب . 
* هل كانت عائلتك فرحة بهذه الانتقالة من الرسم إلى الكتابة ؟
- كانت والدتي منزعجة جدا،أما والدي فقد كان متفهما تماما ربما لأنه أراد في شبابه أن يكون شاعرا و قد ترجم فعلا الشاعر الفرنسي ( فاليري ) الى التركية لكنه توقف عن إبداء تفهمه بعدما سخرت منه حلقات الطبقة العليا التي ينتمي اليها . 
* كيف يمكن قبول فكرة أن عائلتك ارتضت بك رساما لا روائيا ؟
- لأنهم لم يظنوا أنني سأكون رساما طوال الزمن ، كانت مهنة الهندسة المدنية هي الاتجاه المهني السائد في عائلتنا، فقد كان جدي مهندسا مدنيا صنع ثروات كبيرة من بناء السكك الحديدية لكن أبي و أعمامي أضاعوا تلك الثروة رغم انهم تخرجوا من المدرسة الهندسية ذاتها التي تخرج منها جدي : جامعة اسطنبول التقنية ، كان مقدرا لي ان ألتحق بنفس الجامعة و بالنظر لميولي الفنية البارزة فقد التحقت بقسم العمارة في الجامعة و كان هذا حلاً يرضي جميع الأطراف في عائلتي ثم حصل في منتصف برنامجي الدراسي للهندسة المعمارية ان أهملت الرسم و بدأت بكتابة الرواية .
* هل كنت تحتفظ بفكرة روايتك الاولى في ذهنك عندما هجرت الرسم الى الكتابة ؟
- بقدر ما أتذكر فانني أردت ان اكون روائيا حتى قبل ان أعرف تماما ما الذي علي ان اكتب . كان لدي ثلاث محاولات فاشلة للكتابة في بداية محاولاتي الكتابية و ما زلت احتفظ بدفاتر ملاحظات تخصها و لكن بعد ستة اشهر تقريبا بدأتُ مشروعا كبيرا تجسد في خاتمته بنشر روايتي ( جودت بك و أبناؤه ) والتي هي ملحمة عائلية مثل العمل الملحمي ( عائلة بودنبروك ) لـ ( توماس مان ) عندما نشرت روايتي كنت في حوالي الثلاثين من العمر و كانت كتابتي قد اصبحت اكثر ميلا الى التجريبية و الأنماط الكتابية الحديثة .
* عندما تقول انك أردت ان تكون اكثر حداثة و ميلا للتجريب في الانماط الكتابية المعاصرة هل كانت هناك أسماء محددة أمامك ؟
- في ذلك الوقت لم تعد أسماء الكتاب العظام لدي هي تولستوي و دوستويفسكي و ستاندال وتوماس مان بل صار ابطالي فيرجينيا وولف و وليم فولكنر و قد أضفت لهما لاحقا بروست و نابوكوف .
* نقرأ في العبارة الافتتاحية من روايتك ( الحياة الجديدة ) :" قرأت كتابا يوما ما و بعدها تغيرت حياتي كلها " . هل كان لكتاب ما هذا التاثير الطاغي عليك ؟
- ( الصخب و العنف ) لفوكنر كان لها تأثير حاسم للغاية عليّ عندما كنت في الحادية والعشرين او الثانية و العشرين من العمر،ابتعت نسخة من طبعة بنجوين للرواية التي كانت صعبة القراءة لي و بخاصة مع فقر لغتي الإنكليزية ، لكن كان ثمة ترجمة رائعة للرواية من الإنكليزية الى التركية فكان علي ان اضع الكتابين على الطاولة و أقرأ مقطعا من كتاب وترجمته من الكتاب المقابل ، و قد ترك الكتاب علامة مهمة في نفسي و بدأت بعده أكتب بصيغة الفعل المضارع البسيط ، أشعر معظم الأحيان شعورا رائعا عندما أشخص الحدث بنفسي بدل الحديث عنه بصيغة الشخص الغائب.
* قلت في سياق حديثنا ان روايتك الأولى استغرقت سنوات قبل أن تنشر ؟
- في عشرينات عمري لم تكن لدي أية صداقات أدبية و لم أكن أنتمي لأية مجموعة أدبية في اسطنبول لذا كان السبيل الأوحد لطبع روايتي هو تقديمها إلى مسابقة أدبية للنصوص غير المنشورة في تركيا . و قد فعلت و نلت الجائزة فعلا و نشرت روايتي عن دار نشر كبرى مرموقة . 
* كيف تبدأ بملاعبة الأفكار و اختيار شكل رواياتك؟ هل تبدأ بصورة ما ؟ بجملة افتتاحية ما؟
- ليس من صيغة ثابتة و قد قررت منذ البدء أن لا أكتب روايتين في ذات السياق ،احاول أن أغير كل شيء في كل رواية اكتبها ،انها متعة و تحدٍ بذات الوقت ان تتلاعب في الشكل والأسلوب و اللغة و أمزجة الشخصيات و أن تفكر في كل كتاب تكتبه بشكل مختلف عما سبق .قد تراودني موضوعة الكتاب من مصادر مختلفة فمثلا في روايتي "اسمي أحمر" أردت الكتابة عن طموحي في أن اكون رساما فبدأت بداية برسام اوحد ثم أبدلت الموضوع ليكون مجموعة رسامين يعملون في ( اتيليه ) : هنا تغيرت وجهة النظر الاولية لان لديك مجموعة رسامين يتحدثون في ما بينهم . بعض الموضوعات هي من تفرض على الكاتب اختيار ستراتيجيات أو اكتشافات شكلية في أساليب السرد الروائي ،ترى مثلا شيئا محددا او تقرأ شيئا ما او ترى فيلما أو تقرأ مقالة صحفية ثم تذهب للتفكير فيما فعلت و تقول : حسنا سأبدأ من هذه النقطة ثم تبدأ في هيكلة الرواية و تعمل على إدامة تدفقها ، تكتب و تخاطب نفسك : رائع ،لم يفعل أحد هذا من قبل وهناك ملاحظة أخيرة : أفكر بموضوعات محددة لسنوات و لدي أفكار كثيرة أخبرتها لأصدقائي المقربين و أحتفظ على الدوام بأكوام من دفاتر ملاحظات تصلح للكثير من الروايات التي يمكن ان أكتبها في السنوات القادمة .
* يصنف النقاد رواياتك غالبا بانها ( مابعد حداثية Postmodern) مع أنك تستمد الكثير من ألاعيبك السردية من مصادر تقليدية فأنت لك اقتباسات كثيرة عن ( ألف ليلة و ليلة) وكلاسيكيات أخرى من النصوص الشرقية . كيف تعلق على هذه المسألة ؟
- بدأت الحكاية مع روايتي ( الكتاب الأسود ) رغم اني قرأت بورخس و كالفينو في وقت أبكر من كتابتي لهذه الرواية . ذهبت أنا و زوجتي عام 1985 الى الولايات المتحدة وهناك عاينت عن قرب الثراء الفائق للثقافة الامريكية و قد شعرت بالرهبة و انا تركي قادم من الشرق الاوسط و أبغي أن اثبت شخصيتي كروائي ، لذا تراجعت و قررت ان أعيد اكتشاف جذوري و أدركت أنه ينبغي لجيلنا ان يسعى لخلق أدب وطني حديث، بورخس و كالفينو هما من حرراني، أجد مفهوم الثقافة الإسلامية التقليدية رجعيا تماما و مسيّسا بطريقة واضحة و يستخدمه المحافظون بطريقة عتيقة و غبية حدّ إدراكي منذ البدء أنه لن يكون بوسعي استخدامه في عملي الروائي ، لكن تجربتي الامريكية جعلت الامر واضحا لي بأنني أستطيع العودة إلى ذلك التراث و لكن في إطار عقلي يحتكم الى رؤية كالفينووية او بورخسية و هنا بدأت بعمل تمييزات صارمة بين المفهومين الديني و الأدبي عن الثقافة الاسلامية، لدى تركيا تراث هائل من الأدب المعقد التركيب والمقترن بالأدب الزخرفي التزييني( Ornamental Literature ) و لكنّ كتابنا المحافظين اجتماعيا أفرغوا قيمة هذا التراث من محتواه الاستكشافي،هناك الكثير من الرمزيات التي تعيد نفسها في التقاليد الحكائية الشفاهية الصينية و الهندية والفارسية و قد قررت استخدامها في عملي عن اسطنبول المعاصرة . انها تجربة ممتعة أن نضع كل شيء معا مثل لوحة كولاج دادائية لكن يبقى التأثير الطاغي للثقافة الامريكية مع رغبتي في أن اكون كاتبا تجريبيا هو المصدر الملهم لأعمالي .
*هل تعتقد ان المواجهة المستمرة بين الدوافع الشرقية و الغربية في تركيا سيتم تسويتها يوما ما؟ 
- أنا متفائل و أرى أنه ينبغي لتركيا أن لا تقلق لامتلاكها روحين تعودان لثقافتين مختلفتين ،الشيزوفرينيا الثقافية هذه مفيدة و تدفعك لتكون أكثر ذكاء ، فقد يحصل أن تفقد صلتك بالواقع - و هذا ليس سيئا تماما فأنا كاتب رواية في النهاية - و لكن لا ينبغي لك أن تقلق أبدا بشأن هذه الشيزوفرينيا الثقافية لأنك إذا ما قلقت كثيرا مخافة أن تنجح احدى الثقافتين في قتل الأخرى فستنتهي بثقافة أحادية كسيحة وأرى هذا أسوأ ما يمكن ان يحدث .هذه هي نظريتي التي أسعى دوما للتبشير بها في أوساط السياسة التركية و الساسة الأتراك الذين يريدون لتركيا ان تنقاد بروح واحدة صارمة و أنا أجنح دوما لنقد هذه النظرة الاحادية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram