TOP

جريدة المدى > تحقيقات > خريجو العلوم السياسية: مناهجنا تلقينية ومستقبلنا بسطيات الأرصفة!

خريجو العلوم السياسية: مناهجنا تلقينية ومستقبلنا بسطيات الأرصفة!

نشر في: 11 نوفمبر, 2009: 04:14 م

وائل نعمةكان يوم تخرج سلوان من الكلية ، بمثابة العرس الذي انتظره لأربع سنوات ، تحمل خلالها التعب والجهد المتمثل في الدراسة و مشقة الطريق فضلا عن نفقات الجامعة الباهظة متمنيا أن لا يذهب هذا الجهد أدراج الرياح ، وآملا ان يتكلل بالنتيجة المعروفة بعد نهاية كل مشوار دراسي ، إلا وهي العمل .
 لكن هذا الأمل بدأ بالتلاشي يوماً بعد يوم وتحولت بسمة الفرحة بالتخرج إلى غصة ، بعد ان أدرك سلوان ان الكلية التي تخرج منها ليست في حسبان أية مؤسسة عراقية ، وكأن طلابها يدرسون كل هذه السنوات من باب رفع العتب ! كلية العلوم السياسية هي إحدى أرقى الكليات في العالم ، ومن أهم الاختصاصات وأكثرها تفاعلا مع حركة الدولة والحكومة ومؤسساتها ذات الطابع السياسي والدبلوماسي ،و أصبحت الجامعات تعترف بعلم السياسة كعلم أو فرع من العلوم الاجتماعية والإنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وترسخ هذا الاعتراف بإنشاء كل من المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس عام 1872 ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسة ، وقد تأكدت أهمية هذا العلم باعتماده كمادة للتدريس في الجامعات الأوروبية بصفة عامة والجامعات الأميركية بصفة خاصة. كما كان العراق من اوائل الدول العربية التي قامت بتدريس هذا العلم وكانت جامعة بغداد هي أولى الجامعات التي قامت بتدريس هذا التخصص في البلاد العربية، إذ تم تأسيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد عام 1959 وكانت ثمرته تخريج أعداد كبيرة من المتخصصين في العلوم السياسية من العراقيين ومن العرب والأجانب. أفواج العاطلين هذا التأريخ المشرق يواجهه المئات من المتخرجين من كليات العلوم السياسية في جامعات بغداد والموصل والمستنصرية يتوزعون في طابور العطلة المستديم ، ومن المعروف للقاصي والداني أن في العراق جيشاً من المتخرجين العاطلين عن العمل ،و لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد العاطلين في العراق ، لكن إحصائية صدرت عن منظمة الأمم المتحدة ، قدرت نسبة العاطلين عن العمل بنحو 30% من القادرين عليه، أما إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فتشير إلى ان أكثر من 142,000 عاطل عن العمل تقدموا بطلبات تعيين من بينهم 65% من حملة شهادتي الدبلوم والبكالوريوس، لكن حتى المسؤولون في وزارة العمل لا يعولون على هذه الارقام كثيراً، وهناك العديد من المؤشرات تدل على وجود اضعاف هذه الارقام ، لكن بالمقابل بعض التخصصات قد يستطيع خريجوها ايجاد فرصة للعمل تتعلق بدراستهم ، والبقية يعملون في خارج اختصاصاتهم . يقول المحامي احمد السعيد : ان عمل الخريجين بعيدا عن اختصاصاتهم سيؤدي إلى هدر في الموارد البشرية والمالية ، فالأموال الكبيرة التي تخصص للجامعات وللمعاهد في سبيل إكمال الطلاب لدراستهم تعدا هدرا للمال العام لأنها تذهب دون فائدة لان ما يدرس لطلاب الجامعات لا يعملون به . ويضيف قائلاً: في الوقت الذي يتوسع فيه التعليم العالي في العراق من خلال استحداث العديد من الجامعات الجديدة، فان فرص الحصول على وظائف في الدولة بدأت تضيق امام الخريجين، وفي النهاية تحولت الجامعات الى مخزن لتفريخ افواج جديدة من العاطلين ، خاصة اذا ما ادركنا ان هذا التوسع لم يجر على وفق ضوابط وأسس علمية مدروسة وضمن خطط معدة لحاجة العراق من الملاكات والكفاءات العلمية، ولهذا يجب ان تخضع هذه العملية ( استحداث جامعات جديدة) الى دراسة بعيدة المدى، وإلا ما الفائدة من أفواج طلبة يحملون شهادات وهم فائضون عن الحاجة؟ أن ما يميز خريجي كلية العلوم السياسية هو عدم وجود مؤسسة او دائرة او حتى حقل معروف ومحدد يستوعب اعدادهم فمعظمهم لايعرفون اي طريق يسلكون , سلوان سلمان تخرج قبل اكثر من 3 سنوات من كلية العلوم السياسية من جامعة بغداد ، وحمل سلوان شهادته بيديه وراح يطرق أبواب وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية، لكن لا حياة لمن تنادي . ودائما هناك أجوبة جاهزة (ليس لدينا شاغر) و(لدينا فائض) و( الملاك لا يسمح)، وكان أكثر الأسباب رفضا وحيرة هو أن اختصاصه لا يتناسب مع عمل هذه المؤسسات ولا يقدم أي فائدة لها ، مما اضطره إلى سلوك طريق آخر بعيدا عن اختصاصه . يقول سلوان : عملت بالمطاعم وببسطيات بغداد الجديدة حتى ضاقت بي السبل وذهبت إلى سلك الشرطة منتسبا لكن لم استطع أن ادخل في الدورات التي تنظمها وزارة الداخلية لتخريج ضباط شرطة لان معظم الدورات لا تطلب خريجي علوم سياسية . تخصص دقيق وخطة عمل علاء السامرائي خريج آخر انضم الى سلوان لكن بالجيش العراقي بعد ان وقف محتارا ماذا يفعل بشهادته التي قضى سنوات يحلم بالحصول عليها ، يعتقد علاء ان تكثيف الاختصاص في الكلية انطلاقا من المرحلة الاولى وحتى الاخيرة قد يعوض ما يفتقر اليه هذا التخصص من قلة فرص العمل ، فربما الاختصاصات الدقيقة تفتح مجالات عمل اوسع ويستطيع المتخرج ان يعمل في اكثر من دائرة او مؤسسة بدلا من اقتصارها على عدد معين. ويقول موفق سعدي (تخرج من الكلية قبل سنتين ويعمل بمحل موبايلات) : خريجو اليوم يختلفون عن خريجي الأمس، اختلافا كبيرا ولعل طلبة العقود الماضية، كانوا يدخلون الجامعة وهم مرتاحو البال، لان هناك من يضمن لهم فرص العمل في ضوء الاختصاص، ولاشك في هذا فالدولة تستطيع توظيف الجميع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram