هذه هي المرة الثانية التي أغامر فيها بالكتابة عن وجع المواطن الذي تضطره الحاجة لمراجعة مدينة الطب، عليلا أم زائرا أم طارقا لإتمام معاملة.
كانت المرة الأولى قبل أشهر معدودات - وعلى أديم جريدة المدى- تابعت فيها بالتواريخ والأرقام نشأة هذا الصرح الحضاري، العلمي، الطبي،، العملاق مذ كان نطفة في رحم مشاريع مجلس الإعمار في العهد الملكي وحتى افتتاحه، تعززه صور ناطقة ومقابلة مستفيضة مع مديرها المسؤول آنذاك، قبل أيام، اضطررت لزيارة المدينة لإنجاز معاملة....
ضحى ذاك النهار، كانت السماء ملبدة بالغيوم بعدما زخت هطولها طوال الليلة الماضية وحتى الهزيع الأخير من الليل.
أتجاهل نشرة الأنواء الجوية، واستوقف سيارة أجرة، يعتذر سائقها بأدب (ما أروح لهناك، المدينة غركانة).أنثني لآخر، يعتذر، يطلب الثالث أجرة مضاعفة، أذعن وأمتثل، وأيمم وجهتي شطر مدينة الطب.....
مدينة الطب: هذي التي كانت -- وكان مؤهلا لها أن تغدو منارة للأبحاث، وحاضنة لجهابذة الأطباء والأساتذة ذوي الإختصاصات النادرة ’والآلاف من الطلبة النابهين الذين يعول عليهم العراق في الخروج من نفق ضلالات الدجل والشعوذة.أينها في عراق اليوم؟؟
مدينة الطب - لمن لم يقدر له زيارتها - تغفو وتصحو على صدر دجلة. النهر الخالد الذي تحولت شطآنه كمكبات للمزابل والنفايات وعوادم المخلفات من كل شكل ونوع.
هذا الصرح الحضاري يعاني من الإهمال الفادح، شلل في الخدمات،شلل في أداء الكادرالذي يواجه بزخم هائل من المرضى والمراجعين، شلل ونقص في الأطباء والكادر التمريضي......
في أكثر الدول تخلفا، اندست التكنولوجيا في صلب المؤسسات ذات العلاقة بخدمات الناس. نقرة طفيفة على زر في الجهاز الالكتروني، تتيح للطبيب -للباحث-- كل ما يريد ه من معلومات...إلا في العراق، ودوائره ومن ضمنها مدينة الطب. الملفات والأضابيرالورقية مكدسة على المناضد،ومن يبتغي إنجاز معاملة عليه ان يسفح ماء وجهه، يتذلل ويتوسل بالموظف ليبحث له عن إضبارته بين مئات الاضابير، وعلى الموظف الملول أن يقلب عشرات الملفات واحدة واحده عله يظفر بضالته.
شهدت عبر أروقة وممرات المدينة ما يندى له جبين كل غيور.. طوابير غفيرة من ألمراجعين، اغلبهم كبار السن، بعضهم جاء يسعى على عكاز. بعضهم على عكازين، بعضهم يجرجر على عربة متهالكة، المرض والقتر مرسوم على الملامح بالأسود، يبتغون عونا، فلا يحصلون إلا على التسويف:: تعال غدا: تعال بعد غد’ الموظف في إجازة..إلخ
والآن؟؟ هل اكتملت فصول المعاناة بتأطير الصورة؟؟؟
لا....وحاشا!
فالمطر الذي زخ مدرارا ليلة البارحة وتواصل هذا النهار حول المنافذ المؤدية للمدينة لجداول من ماء كدر، زادته الا وحال والقاذورات بؤسا على بؤس
لا يكفي المريض تشخيص العلة. يلزمه علاج ناجع فوري. فأين مكمن الخلل؟؟
وما هو موقف المسؤول(ين) في وزارة الصحة، في وزارة البلديات؟ في أمانة العاصمة؟؟
,وإذا كانت الصورة قاتمة في بغداد العاصمة، فماذا يجري في مستشفيات المحافظات والأطراف؟؟.
ولمن ترفع الشكوى والكل مشغول بتفخيم ذاته وتضخيم مكاسبه.وكيل التهم لغيره والقذف بها بعيدا، بعيدا، -- ككرة الملاعب -- يحاول بها شق شباك الغرماء.
أنين مدينة الطب
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2013: 09:01 م