TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يصير النوب دهري بيكم يعود؟

يصير النوب دهري بيكم يعود؟

نشر في: 18 نوفمبر, 2013: 09:01 م

تحتل النواعي، ومن ضمنها ترنيمات أمهاتنا في أغاني "الدللّول"، مكانة مهمة وبارزة في تراثنا الشعبي. انها كما الدارمي والبوذية، يندر ان تجد لها مثيلا في البلدان العربية الأخرى ما قد يؤكد نظرية كونها جاءتنا من سومر. ومأساة كمأساة الحسين، خاصة ما أحاط بنسائها من ظلم، وجدت في النواعي العراقية ما يوصل أحزانها الحارة الى قلوب العراقيين. النواعي الحسينية مع نواعي فدعة وما يزخر به تراثنا منها على لسان الأمهات الحزينات تشكل سجلاً إبداعياً رصيناً. وان كانت فدعة تعد أهم شاعرة في دنيا النواعي العراقية، بشكل عام، فإن الشاعر محمد نصار العراقي، صاحب "النصاريات"، يعد شيخ النواعي الحسينية بلا منافس.
الفارق بينه وبين عبد الحسين أبو شبع، هو ان الأخير لا يلتزم بسير الأحداث التفصيلية للمقتل. يأخذ الفكرة العامة ويعرّقها من عنده. فهو، مثلا، يعرف ان القاسم قد مات ليلة عرسه وانه ابن أخ الحسين وزوجته سكينة بنت عمه. لكن التفاصيل والحوارات كلها تأتي من مخيلته العراقية. باختصار يجعل القضية قضية الناس وليس قضية الواقعة بحذافيرها. أما نصّار فانه لم يحرر نفسه من ذلك تماما. يلتزم بالأحداث ويجاريها بنواعيه حسب تسلسلها كما وردت في مقتل "أبو مخنف" وقد يكتفي أحيانا بترجمة الحوارات والأحداث الى اللهجة الشعبية.
من يقرأ ديوان "النصاريات" قراءة نقدية خالصة قد يلمس بان تقيد صاحبها بدائرة "التعريق" حرْفياً  أفقد بعض نواعيه كثيرا من حرارتها ولوعتها. هذا الفقدان لم يغب عن بال الشاعر فغذاها بصور عراقية غاية في الإبداع. فهذه الاسئلة لم ترد بالمقتل الفصيح على لسان الحسين. إنها اسئلة قد لا تمر ببال أي أب غير عراقي عندما يجد ابنه صريعاً بين يديه:
يبويه من سمع يمك ونينك؟
ومن شبحت لعند الموت عينك
للعشرين ما وصلن سنينك
وحاودني عليك الدهر الاكشر
يهتم شاعرنا برسم الصور اكثر من طرح المعاني. واعتماد الصورة في الشعر يحتاج موهبة شعرية عالية. خذوا هذه الصورة عن لحظة الوداع بين الحسين وابن أخيه القاسم:
بس شافه شبك فوكه او تباچوا
اختنكوا بالبواچي او ما تحاچوا
لمن غابت الروح او تتاچوا
على التربان ويلي والوكت حر
الفعل "تتاچوا" لوحده صورة لا تنتجها إلا مخيلة ذات موهبة عالية.
كذلك قوله:
هذا الماي يجري بطون حيات
ما نظرت الى بحر خلال هبوط الطائرة اثناء سفري إلا وتذكرت هذه الصورة، اذ فعلا تلوح لي أمواجه وكأنها أفاع تتقلب على بطونها.
النواعي التي احتواها ديوان "النصاريات" لو قرأتموها كشعر من دون النظر للقضية التي تناولتها، ستجدون فيها صورا تضع شاعرها في مكانة فدعة او قد يتفوق عليها:
يسور المرمر الماله مصاعيد    يصل الرمل يمنفر العرابيد
يطير السعد يمعذب الصياييد                حاطت بيه فوك الرمح وكر
أحيانا الوذ بنواعيه حين يحن قلبي لأولئك الذين كان يشعرني وجودهم بان لي وطناً. واليوم من دونهم أرى الوطن غريباً حتى عن أهله، فأصيح:
يصير النوب دهري بيكم يعود     وارد أشيل راسي بيكم اردود

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو سجاد

    والله ياستاذ هاشم اظن العراقي دهره يركض ركض نحو الهاوية وماعتقد راح يتوقف وصارت رفعة الراس حسرة ويه ذول الخرية

  2. كاظم الأسدي

    صدك بوجه النشامه باب الوطن موصود بس برسمك وجلماتك لزمن يعودإلهم ردود مع الإعتذار لإقحام كلماتي مع أبوذية هاشم العقابي ونصاريات محمد العراقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram