TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الجسدُ شريفٌ ممزق.. الوجهُ غريبٌ مُدمى

الجسدُ شريفٌ ممزق.. الوجهُ غريبٌ مُدمى

نشر في: 19 نوفمبر, 2013: 09:01 م

بغض النظر عن قضية راية الحسين التي قيل أن المهندس البريطاني مزقها او أراد تمزيقها، أو أن القصة فبركت لغرض سياسي من قبل مجموعة مدفوعة من جهة خارجية،الأمر الذي يحتمل أكثر من رواية. لكن، وبعيداً عن قدسية القماشة السوداء أو ما تمثله بالنسبة للعاملين الشيعة في الشركة النفطية، بل وحتى بعيداً عن التعصب الأعمى لمبدأ ما. لم اتمكن من إمساك دموعي وهي تنهمر، لم أقو على تحمل انقباض قلبي واختناقي بأنفاسي وأنا أشاهدُ عشرات الأيدي ترفع وتضرب بالعصي وقطع الحديد والمجرفة والفأس وهي تنهار على رأس وجسد رجل ذميِّ، غريب، أعزل، لا يفهم لغة القوم الذين وقع بين ايديهم، في شريط الفيديو الذي تناقلته الوكالات، احسست كما لو أن أحدهم قطع بفأس عملاقة آخر أشجار الإنسانية في روحي، ورمى بأفرعها الألف في وجهي الطفل، لا، ليس هكذا أبداً، ما شاهدته لم يكن سوى مقطع وحشي ،بربري من شريط مقتطع من فيلم رعب نسجه خيال مخرج تعفن قلبه فتقيأ أحشاءه على الشاشة، لأني لن أصدق ما حييت ما قام به هؤلاء، إذ من غير المعقول والمنطقي ان يفعل الانسان بأخيه الإنسان هكذا !!
سأُخْرجُ المقدس من الورقة الصغيرة هذه، وأتحدث بنفس إنساني خالص وأقرّب الصورتين، صورة الحسين الأخيرة في الطف على نهر الفرات ، صورة جسده قبل وقوعه من على ظهر فرسه، وقد أصبح غرضاً يرمى بمئات السيوف والسهام وتدوسه حوافر الخيل في المشهد الذي صورته لنا كتب التواريخ، التي تحدثت عن الواقعة المشهورة ،ومن ثم لأنتقل إلى صورة المهندس البريطاني الذي ظل يشاهد ومن خلال زجاج السيارة عشرات المهاجمين وهم يحملون الحجر والحديد والعصي والفأس والمجرفة ، ثم وهم يندفعون باتجاهه بآلاتهم تلك، وأصواتهم التي تتوعد وتشتم في المشهد الذي صورته لنا الكاميرا في واقعة الرميلة على بحر النفط. قلت سأخرج من المقدس لإنسانيتي، إنسانيتنا التي هزمت لحظتئذٍ، ما الذي يمكنني ان أقوله ؟ أنا عاجز حقاً، لأني لا أريد ان أعيد ترتيب جملة الامام علي الشهيرة : (الناس أخوة... ) ما عادت تشفع لي الآن، ولا أريد أن أستنهض قيم الفروسية، عن اية فروسية تتحدث ياطالب؟! أصبحت أكره وامقت كلمات مثل العربي شجاع، العربي كريم نفس، والعربي يكرم الضيف، أو المسلم من سلم الناس من لسانه ويده لأنه رقيق القلب، وأهل البصرة بسطاء طيبون، لا، لقد مزّق هؤلاء الموتورون مصاحف قلبي الكثيرة، كفّروني بقيم الكون، أعادوني لسلالة أهلي الوحوش، سلالتهم التي قدمت منها على ظهر ضارٍ ذات يوم.
بينما اكتب، فإن المطر يضفي على الطبيعة التي حولي سحراً، أوراق الأشجار خضر لاهبة، وأصوات الطيور- البلابل بخاصة- تمنح المكان جمالاً والقاً كبيرين، لكن الصورتين، صورة الحسين وهو ممزق الجسد، مسلوب الثياب محزوز الرأس، مع صورة المهندس، بذله الأبدي ، بوجهه المدمى، بكفيه وهما يصدان أو لا يصدان العصي والأيدي وأسياخ الحديد، صورة الانسان وهو يهزم امام اخيه الإنسان، صورته وهو يتوحش ويستذئب ويتنمر على بني جلدته .. لم تدعني الصور تلك على حالي، غيرت من طبيعة قلبي، قزّمتني امام نفسي، كنت ساعتها مستعداً لتقبل أية فكرة، بل لا اخفيكم احسست أن الدم الذي غطى وجه الرجل هو دمي ، أجل ،لم لا ؟ فقد تخيلت نفسي، أنا الغريب عنهم، البصري، العلماني الشاعر، ذو السابقة الشيوعية، الذي لم يدخل مسجداً أو حسينية منذ عشر سنوات، ولا يعرف احد منهم مذهبي، وقد طلبت من احدهم رفع بيرقه الأسود الذي وضعه على سيارتي، ترى ألا يكون مصيري كمصير الرجل، ألا يساور شعور مثل هذا أيَّ رجل آخر بينكم، ترى كيف كان يفكر الآلاف من العلمانيين وأبناء السُنّة والمسيحيين والمندائيين الصابئة من البصريين وغيرهم وهم يشاهدون فيلم الرعب الحقيقي هذا؟ ما الذي يحدث يا ناس؟ اكاد أختنق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram