إن سلّمنا جدلاً بأن موقف فرنسا متوازن، وأنه بسبب صداقتها لإسرائيل وللفلسطينيين، فإن باستطاعتها أن تلعب دوراً مهماً في تجسير الفجوات بين الجانبين، وصولاً إلى تسوية، عبر التفاوض، تتيح لدولتي إسرائيل وفلسطين التعايش بسلام وأمن، في ظل القدس عاصمة للدولتين، فإن ما قيل عن هذا "التوازن" تجلى في خطابيه أمام الكنيست الإسرائيلي وفي رام الله، حيث جدد رفض بلاده لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكد أن استمرار الاستيطان يُهدد حل الدولتين، وفي دعوته للرئيس الفلسطيني إلى بذل المزيد من الجهد، والبرهنة على "واقعيته" في ما يتعلق بمجمل القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ختم "توازنه" بالقول إن حق فلسطين في دولة ذات سيادة لا يتعارض مع حقوق إسرائيل، مؤكدا أن وجود دولة فلسطينية هو ضمانة لأمن وسلامة إسرائيل.
لم يأت هولاند بجديد فيما يتعلق برفض فرنسا لسياسة الاستيطان، ذلك أن سياسات الحكومات الإسرائيلية في هذا الصدد، مرفوضة من كل دول العالم، لتعارضها مع القوانين الدولية، وإن كان ذلك يتم على استحياء أو تواطؤ، لكن الجديد هو مطالبة الفلسطينيين التحلي بالواقعية فيما يخص اللاجئين، ما يعني عملياً التخلي عن حق العودة للفلسطينيين الذين طردتهم الدولة العبرية من أراضيهم، واستولت على أملاكهم بقوة السلاح والواقع الذي فرضته، وبما يُفضي إلى تطبيق خطط نتنياهو حول يهودية الدولة، وهو عبّر عن ذلك بوضوح، حين دعا الرئيس عباس إلى زيارة الكنيست الإسرائيلي، وبقصد الاعتراف بالرابط التاريخي بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، وهي دعوة خبيثة هدفها الحقيقي تزوير التاريخ، والإيهام بأن اليهود كانوا في هذه الأرض قبل الكنعانيين.
كان مُهماً حين دعا هولاند إلى اعتماد حل واقعي لقضية اللاجئين، أن يدرك أنه حتى في ظل واقع الضعف الراهن للفلسطينيين، فإن أي زعيم أو قائد فلسطيني، لا يملك ولا يستطيع التنازل عن حق العودة، وأن هذا الحق مضمون أخلاقياً ومبدئياً ،ومقر بكل القوانين الدولية، وأنه لامجال للمقايضة بين وقف الاستيطان وحق العودة، في حين يُفترض أن يتم الحديث عن تفكيك المستوطنات غير الشرعية، التي تنتشر كالسرطان في الأرض الفلسطينية، وأن يتم الالتزام بالمبادرة العربية، وهي أقصى ما يمكن للفلسطينيين والعرب تقديمه من تنازلات، أما أن يحاول اللعب على الكلمات، من خلال رفضه وصف الاستيطان بغير الشرعي، كما سبقه إلى ذلك نظيره الأميركي، وتشديده في المقابل على إيجاد آلية للتعويض على اللاجئين، ودعوته المرفوضة إسرائيلياً لأن تكون القدس عاصمة لدولتين، فإن ذلك يعني أن الرجل لم يقدم أي جديد، وحتّى لو أقيمت الدولة الفلسطينية اليوم، على أساس اتفاق مرحلي، فإن الصراع العربي الإسرائيلي سيظل ناراً تحت الرماد، إلى أن يتم حل مشكلة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني طُردوا من ديارهم، ويعيشون ظروفاً شديدة القسوة في منافيهم، فهل يمتلك هولاند حلاً واقعياً لمأساتهم؟
زيارة هولاند إلى إسرائيل، وتصريحاته المتشددة المتعلقة بالنووي الإيراني والمعضلة السورية، والمتناقضة جذرياً مع مواقف واشنطن حيال المسألتين، تندرج في إطار الصراع الدولي المُحتدم حالياً، والذي تخلّت فيه إدارة أوباما عن الموقع المتقدم، وأفسحت في المجال لروسيا بوتين أن تكون اللاعب الرئيس، مثلما تندرج في لعبة ملء الفراغات، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن موقفه من القضية الفلسطينية وأسلوب التوصل إلى تسوية، لن يساعده على حجز مقعد حقيقي في هذه اللعبة، لأنّه يقفز على حقوق خمسة ملايين فلسطيني، يُمكنهم أن يُغيّروا كلّ القواعد التي يسعى لإرسائها، وهو يُناكف واشنطن وموسكو، وكل العواصم الدائرة في فلكيهما.
هولاند يفتش عن دور
[post-views]
نشر في: 19 نوفمبر, 2013: 09:01 م