يراجع البرنامج التلفزيوني البريطاني «إرهاب في الصحراء» الهجوم الذي نفذته مجموعة إسلامية متطرفة ضد العاملين في منشأة «عين أميناس» النفطية جنوب شرقي الجزائر، بداية العام، وراح ضحيته عشرات من العاملين فيها. ويعرض شهادات قدمها بعض
يراجع البرنامج التلفزيوني البريطاني «إرهاب في الصحراء» الهجوم الذي نفذته مجموعة إسلامية متطرفة ضد العاملين في منشأة «عين أميناس» النفطية جنوب شرقي الجزائر، بداية العام، وراح ضحيته عشرات من العاملين فيها. ويعرض شهادات قدمها بعض الناجين، والتي ساهمت مع بقية المقابلات التي أجراها البرنامج مع خبراء عسكريين وخبراء في شؤون شمال أفريقيا في عرض تفاصيل الهجوم والطريقة التي نُفذ بها، إلى جانب كشفها للأسلوب الذي استخدمه الجيش الجزائري لحسم الأزمة، ساعياً من خلالها رسم صورة دقيقة للحدث، بعيدة عن تلك التي نقلتها السلطات الرسمية الجزائرية مع إشارتها في الوقت ذاته إلى تلكؤ مسؤولي شركات النفط البريطانية والنرويجية في إجراء التحقيقات الكافية لتشخيص نقاط الضعف التي رافقت العملية والتدابير المستقبلية اللازم اتخاذها لمنع حدوثها ثانية.
اعتمد البرنامج أسلوب السرد الزمني التسلسلي للهجوم، وفق ما نقله الناجون في شهاداتهم، فبدأ منذ لحظة مهاجمة المسلحين لمجموعة من العاملين كانوا يستقلون سيارة في طريقهم إلى المطار صبيحة السادس عشر من كانون الثاني (يناير) 2013 مروراً بدخولهم المنشأة النفطية وأسرهم عدداً من الأجانب حتى لحظة تدخل الجيش الذي وضع حداً لها بعد أربعة أيام مرت ثقيلة مثل أعوام على العاملين في المصفاة.
غالبية الشهادات ركزت على العلاقات الطيبة التي كانت تسود بين العاملين في المنشأة من أجانب وجزائريين، وأنهم لم يشعروا بأي خطر يحيط بهم طيلة الفترة التي عملوا فيها، وكما قال مدير مشروع «بريتش بيتروليوم» نيك هيتش: «لم يكن هناك إحساس مسبق بوجود إرهابيين يستهدفوننا». كان كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة إلى العاملين، لكنّ بين ظهرانيهم ووسط الصحراء الواسعة كان الإرهابيون يخططون إلى واحدة من أخطر العمليات.
ويوضح الوثائقي كيف خطط الإرهابيون لهذه العملية قبل مدة كافية وسرّبوا عناصر منهم للعمل داخل المنشأة وهؤلاء قاموا بتزويدهم بمعلومات دقيقة وخرائط توضيحية لكل جزء منها.
كانوا يعرفون، كما قال الخبراء العسكريون، موعد اجتماع يحضره كبار مدراء شركات النفط من الخارج وعلى ضوئه قرروا توقيت هجومهم. أرادوا أسرهم ومن بعد مقايضة الإفراج عنهم مقابل ملايين الدولارات، وهذا بالضبط ما يعرفه جيداً قائد ومخطط العملية مختار بلمختار، الذي قدم عنه الخبير في شؤون شمال أفريقيا جورج جوفي وصفاً دقيقاً وكيف أنه كان يتصرف في مالي كرجل عصابات ومهرب سجائر، لهذا لقب بـ«سيد مارلبورو» وأنه ولكثرة خروقاته وسوء سمعته وجهت له قيادة «القاعدة» انتقادات شديدة، كما شخصت ضعف عملياته النوعية.
ولهذا السبب شكل بنفسه مجموعة منفصلة حاولت لفت الانتباه إليها عبر تنفيذها عملية واسعة وخطيرة، من أجلها ذهب إلى ليبيا وكلف خلال وجوده قرب الحدود الصحراوية بين الجزائر وليبيا أعضاء من جماعته بمهمات استطلاعية كانوا خلالها يتنقلون بحرية بين الحدود ما يشير بحسب الخبراء العسكريين إلى ضعف سيطرة الجزائر على حدودها مع ليبيا، ما سمح للإرهابيين بالوصول إلى أهدافهم بسهولة، إضافة إلى وجود متعاونين معهم يعملون في «عين أميناس».
ويتذكر بأسى معظم المتحدثين صدمتهم حين تعرفوا على حقيقة المتعاونين من العمال مع المجموعة المنفذة للهجوم، ما يطرح أسئلة حول مقدار الخلل في حجم المعلومات المتوافرة عن كل عامل وخبير في المنشآت المهمة للاقتصاد الوطني. وتكشف شهادة الجزائري الذي لم يَسمح بعرض صورته خوفاً وأُعطي اسماً مستعاراً («أحمد») عن التنسيق الوثيق بين أعضاء لـ «القاعدة» في المنشأة وبين قادتهم خارجها، وأن بعضهم عمل فيها منذ أكثر من عامين ويصف العملية بأنها كانت دقيقة وتوقيتها مع يوم مغادرة بعض الخبراء الأجانب إلى ديارهم يدلل عليها، إضافة إلى دقة المعلومات الخاصة بزيارة كبار المديرين إليها وتحديد أماكن إقامتهم بالضبط.
ينقل البرنامج تفاصيل كثيرة عن المباحثات السرية التي جرت بين المخابرات البريطانية التي عرضت مساعدتها في حل مسألة الرهائن عبر تقديمها خدمات فرقة «ساس» المختصة بالعمليات الخاصة وكيف رفض الجيش الجزائري كل العروض مفضلاً عليها حله الذي أراده أن يكون حاسماً حتى لو كان على حساب أرواح الأسرى أنفسهم. كل الشهادات أكدت أن الجيش الجزائري قرر عدم التهاون أو التفاوض.
عملية تصفية الإرهابيين أدت إلى قتل بعض الأسرى، ولهذا طالب كثر دولهم ومن خلال شركاتهم بإجراء تحقيق شامل في القضية. شركة «ستات أويل» النرويجية سحبت تحقيقها فيما أحالت الشركة البريطانية تحقيقها على حكومتها بحجة توافر إمكانات أكبر عندها للتوصل إلى نتائج وعدوا بتقديمها في خريف عام 2014. في المقابل طلبت الشركات العاملة في المشروع من موظفيها العودة للعمل بعد ساعات من انتهاء أزمة الرهائن في التاسع عشر من كانون الثاني (يناير)، أي بعد أربعة أيام على بدايتها.