TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خيبة "أبو رسالة"

خيبة "أبو رسالة"

نشر في: 22 نوفمبر, 2013: 09:01 م

يوم تخلى العراقيون عن اطلاق  أسماء بشعة على أبنائهم ، وغادروا مرحلة "زبالة وصلبوخ ومظلومة" ، نتيجة  تأثرهم برياح الحضارة  وما فرضته من متغيرات اجتماعية واقتصادية ،  والانفتاح على تطور الدول  الخارجية ، فضلا عن بروز نشاط الأحزاب في الساحة السياسية ، وتبني أفكارها والدفاع عن شعاراتها وبرامجها ،  اختار احدهم اسم "رسالة" لابنته الكبرى و"خالدة" للأخرى ، و"عروبة" للثالثة ، تعبيرا عن إيمانه العميق بأهداف حزبه .
أبو رسالة كان يسكن في حي شعبي يقع وسط العاصمة معظم شبابه ينتمون لحزب اخر ، ارتبط معهم بعلاقات متينة ، على الرغم من الاختلاف الايديولوجي ، وفي مقهى الحي شاركهم في حلقات نقاشية لبحث مصير الأمة ، وإمكانية إقامة نظام اشتراكي في العراق ، في بعض الأحيان يحتدم النقاش وترتفع الأصوات في المقهى ، فشعر أبو رسالة بان الحوار وتبادل الآراء،  يحتاجان الى أرضية مناسبة لتقارب المواقف ، لإدراكه بان المتحزبين غير مستعدين للتراجع عن آرائهم المتصلبة خشية مخالفة توجيهات الحزب ووصايا الرفاق الكبار .
في سنوات احتدام الصراع  السياسي واضطراب الأوضاع ، تعرض أبو رسالة للملاحقة ، وعندما اضطر الى ترك منزله في منطقته الشعبية والانتقال الى ناحية الدبوني ، طاردته اللعنة والمضايقات بسبب أسماء بناته (رسالة وخالدة وعروبة) التي فسرها  المتنفذون الحزبيون في الدبوني بانها اشارة واضحة على انتماء الأب لتنظيم سياسي متهم في ذلك الوقت  بالتخطيط للإطاحة بالزعيم عبد الكريم قاسم .
الرجل كان موظفا في وزارة العدل وتنقل بين دوائرها فجاب معظم المدن العراقية ، واجبره التنقل المستمر على قطع علاقته بتنظيمه السياسي ، وعندما تسلم حزبه السلطة عاد الى بغداد ،  وأصيب بخيبة كبيرة نتيجة تعرض رجال وشباب من جيرانه للتصفية الجسدية والاعتقال ، فاخذ على عاتقه رعاية أسرهم ومعرفة مصير أبنائها ، فتعرض هو الآخر للتهديد بالاعتقال بتهمة الدفاع عن  المتآمرين على "عروس الثورات ".
أبو رسالة وكغيره من معظم العراقيين  توصل الى قناعة أكيدة بان التنافس السياسي عندما يسعى للوصول الى السلطة عبر طريق إراقة الدماء ، لايمكن ان يحقق مصالح الشعب بإقامة نظام اشتراكي او في اقل تقدير ضمان استقرار الأوضاع السياسية لكي تعيش عباد الله في اجواء بعيدة عن الملاحقة والاعتقال وانتهاك حقوق الانسان بالطريقة العراقية المعروفة على مدى عشرات السنين.
الرجل انتهى به المطاف مع الكثيرين في فيالق  المتقاعدين  عن العمل السياسي ولهؤلاء وجهات نظر في تناول تاريخ العراق السياسي  بعضهم عبر عنها بكتابة مذكراته ، وآخر مثل أبي رسالة وأخواتها خالدة وعروبة فضل الصمت ،  والوقوف على التل ، ولكنه في كثير من الأحيان يعبر عن قلقه من المستقبل  لاعتقاده بان الملاحقة بسبب الأسماء  توفرت لها أرضية مناسبة هذه الأيام  في أجواء احتدام التنافس للوصول او البقاء في السلطة بكل  المهازل والفواجع والمصايب .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram