اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وحوش في إهاب بشر

وحوش في إهاب بشر

نشر في: 24 نوفمبر, 2013: 09:01 م

 لبعض الأفلام السينمائية نكهة خاصة يظل شميمها عالقاً في الذاكرة مهما تعاقبت السنون، ومنها فيلم إنساني، أخلاقي، لو كنت أملك سلطة ما، لأمرت بتعميمه درساً على طلبة المدارس. تدور أحداث الفيلم في قرية من قرى الهنود الحمر أثناء حقبة الحملات التبشيرية المكثفة التي كانت منتشرة في أميركا لترويج ونشر مبادئ الدين المسيحي بين سكان الولايات.
يحدث أن يصاب رئيس إحدى القبائل المرموقة بأعراض الزائدة الدودية، تجعله يتلوى من آلام مبرحة، تعجز تعاويذهم وصلواتهم الراقصة ونقيع أعشابهم عن إيقاف نزيف الألم..وبدافع من يأس، يستنجد كبار القوم، بطبيبة البعثة التبشيرية التي تشخص العلة في الحال، (انفجار الزائدة الدودية)، وتجري للرئيس عملية جراحية ناجحة، وتنقذه من موت محقق... بعد أيام.. حدث أن عض تمساح ضخم خرطوم فيل كان يشرب من النهر، كان الجرح فاغراً، والنزف جعل من البحيرة بركة دم. وصودف أن مر نفر من أعضاء البعثة التبشيرية من الموضع، وبينهم الطبيبة التي عالجت الرئيس، فما كان منها إلا أن تقدمت نحو الفيل الجريح توقف نزيف جرحه، وتضمده، والحيوان بين يديها طائع مستكين.
تمر أشهر معدودات، ويعيث بالمنطقة وباء الكوليرا، ويتجندل الناس بالشوارع والحواري صرعى، لا يعصمهم من الهلاك نقيع عشب ولا قرع طبول. ويجتمع العارفة من رجال القبيلة، ليقرروا: إن سريان هذا الوباء ما هو إلا لعنة تصبها الآلهة عليهم لسماحهم للأغراب - البعثة التبشيرية -بالإقامة بينهم، وتغيير معتقداتهم.
 يجتمع دهاقنة القبيلة ويقررون - بعد مناقشات ومداولات - قتل أعضاء الحملة التبشيرية، كقرابين إرضاء للآلهة الغاضبة،وتجنب سخطها!!،
 وهنا تبدأ عقدة الفيلم.: الطبيبة وقد جيئ بها مكبلة، تتشبث بأذيال الزعيم، تقول له بلغته: لقد أنقذتك من موت محقق، ألا تذكر؟؟ فادفع عني وعن أصحابي الموت تحت سنابك الحيوانات....
يتجاهل رئيس العشيرة التماسها ويشير لأتباعه بإتمام طقوس القتل المعتمدة لدفع البلاء عن العشيرة... وتقام طقوس الموت: حفلة صاخبة، قرع طبول ونقر دفوف ورقص جماعي هستيري.. يُلقى بأعضاء البعثة التبشيرية أرضا مكبلة أيديهم وأرجلهم، يليه منظر تقشعر له الأبدان.: قطيع من ضخام الفيلة تحدوهم وتهيجهم الموسيقى الصاخبة وقرع الطبول المحتدم لوطء المكبلين المطروحين أرضا.
تتقدم الفيلة المدربة: خطوة، خطوة، خطوة أخيرة، لكن الفيل الأضخم الذي يقود المسيرة، يتوقف فجأة، ويطلق صيحة مرعبة تهتز لها أركان السرادق، يتوقف رتل الفيلة وراءه، يمد خرطومه نحو أول جسد مُسجّى، إنها الطبيبة التي ضمدت جرحه، يرتد مذعوراً، محدثاً صوتاً حزيناً أشبه بأنين مذبوح،، يحصل هرج ومرج وتتراجع بقية الفيلة الى الوراء دون أن يطأوا فرداً من أفراد البعثة , ما الأمر::؟ إنه الفيل، لم ينس وجه التي ضمدت جراحه ذات يوم، ونسي الآدمي المعروف.!.
تغيم الشاشة، وفي الذهن صور شتى لحيوانات في إهاب بشر، تتنازع، تتصارع وتقتتل، وتتنكر لوطن مد إليهم ذراعيه،أغاثهم، أطعمهم من جوع، وأوقف نزيف غربتهم وتشردهم، وضمد جراحهم وما لقي منهم إلا الجحود والنكران.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram