TOP

جريدة المدى > عام > مارغريت آتوود ترثي دوريس ليسينغ..كانت نموذجاً شجاعاً لكلّ الكُتّاب

مارغريت آتوود ترثي دوريس ليسينغ..كانت نموذجاً شجاعاً لكلّ الكُتّاب

نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م

كانت دوريس ليسينغ نموذجا شجاعا لكل الكتاب البريطانيين الذين عاشوا خارجها ردحا من الزمن ثم عادوا إليها يحدوهم حب جارف لها كونهم أبناءها فنقلوا تجاربهم الأدبية لها ، هذا ما ابتدأت به الكاتبة الكندية الشهيرة مارغريت آتوود مقالها من على صحيفة الغارديان ا

كانت دوريس ليسينغ نموذجا شجاعا لكل الكتاب البريطانيين الذين عاشوا خارجها ردحا من الزمن ثم عادوا إليها يحدوهم حب جارف لها كونهم أبناءها فنقلوا تجاربهم الأدبية لها ، هذا ما ابتدأت به الكاتبة الكندية الشهيرة مارغريت آتوود مقالها من على صحيفة الغارديان اللندنية مؤخرا كرثاء كتبته على طريقتها الخاصة لواحدة من أعاظم النساء في قرننا الحالي حيث قالت عنها : وأخيرا ماتت الرائعة دوريس ليسينغ حيث لم أكن أتوقع أن هذه الصخرة الصلدة في المشهد الثقافي اللندني والعالمي يمكن لها أن تنهار وتختفي ببساطة ، إنها صدمة حقيقية ليس لصاحبة هذا الرثاء بل لجميع من أحبها وعشق أعمالها .
كانت أول معرفتي بها عن طريق روايتها " المفكرة الذهبية " التي حملتها مع كتبي الجامعية في باريس عام 1963 حينما كنت أدرس هناك حيث اعتدت الجلوس يوميا على أحد مقاعد حدائقها لأهضم معها قطعة من التوست الفرنسي التي احتوت على الجبن وكارتونة صغيرة فيها عصير البرتقال ، كان هذا جزءا من غذائي اليومي الذي وصفه لي الأطباء بسبب ما أعانيه من مرض في المعدة كما كانت تفعل الروائية الإنكليزية أليسون كننغهام التي تعلمت منها كيف أسيطر على ذلك المرض ،إضافة لتلك الرواية التي كانت مهدئا لنفسي العليلة بما بثته من تجربة غنية مرت بها الكاتبة ليسينغ في حياتها حتى أبدعتها بهذا الشكل من التألق والإبهار .
كان انصهاري مع رواية ليسينغ شيئا عجيبا حيث أنستني رجل الشرطة وهو يقف فوق رأسي ليقول لي إن الاستلقاء على مقاعد الحديقة بهذا الشكل يعد مخالفا للقانون في هذه الساعة ، لذلك كان علي أن أجد مكانا آخر  لقراءتها ،فكنت أصحبها معي المقاهي التي أرتادها وبعض الحانات ، استطاعت الرواية بالتالي أن تفتح عيني على مشاكل المرأة منذ  ثلاثينات القرن الماضي خاصة ما يتعلق منها بقضية تحديد النسل وحتى قبل أن يشهد عصرنا انتشار التنورات القصيرة ، هي سبقت نقاشاتنا في الكثير من المسائل التي كنا نعتبرها جريئة عند اجتماعنا على مائدة العشاء في تورنتو أيام مراهقتي وكأنها كانت تتنبأ بما سيحصل للمرأة لاحقا .
هناك كانت امرأة أخرى نقرأ لها خلسة في تلك السنة هي سيمون دي بوفوار ومع أنهما يجتمعان بقواسم مشتركة في الدفاع عن المرأة ، لكن لكل منهما نشأته الخاصة ، ليسينغ ولدت في إيران أيام الإمبراطورية الشاهنشاهية عام 1919 ، ونشأت في مزرعة اشتراها والدها بروديسيا ( زمبابوي حاليا ) بعد انتقالها معه ليعمل هناك ووالدتها ، ثم وبعد اثنتين من الزيجات الفاشلة عادت إلى وطنها إنكلترا محملة بطاقة عجيبة من الأفكار والرؤى وضعت كل ذلك في رواياتها التي نشرتها لاحقا مع أنها تعترف بخطأ بعضها كما في مسألة الشيوعية الستالينية التي تأثرت بها عن طريق زوجها الثاني غوتفريد ليسينغ الذي كان مؤمنا بها .
تنوعت أعمال ليسينغ بتوع أفكارها تلك وبحسب حياتها وتنقلاتها في أصقاع ثلاثة هي إيران وزمبابوي وإنكلترا التي أكسبتها تجربة عميقة تنقلت خلالها بين السياسة والصوفية والخيال العلمي حيث استطاعت بشجاعتها الأدبية وابتكاراتها أن تحوز الشهرة بعد سنوات قليلة من عودتها إلى إنكلترا  ، وعندما علمت بفوزها بجائزة نوبل عام 2007 قالت إنها أصبحت المرأة الحادية عشرة التي تحوز عليها وأنها سعيدة بها مع شعورها بالوقت نفسه بالحيرة فقد ترامى إلى سمعها قديما أن لجنة نوبل لم تكن تحب أعمالها فما الذي جعلهم يحبونها بهذا الشكل المفاجئ ؟
ومع أني لم ألتق بسيمون دي بوفوار في شبابي لأن الاقتراب من هذه الأسماء العظيمة يعد بحد ذاته مكسبا كبيرا يضاف إلى رصيد الكاتب أو الكاتبة ، لكن دوريس ليسينغ عوضتني عن دي بوفوار ، فقد حظيت برؤيتها والاجتماع بها عدة مرات وذلك من خلال المؤتمرات الأدبية التي جمعتنا معاً ، فكنت أرى فيها كل النساء الكاتبات المدافعات عن حقوقهن ما جعلني أشعر بسعادة كبيرة وأنا أشاهد تلك الحفاوة بها لأنها كانت بنظر الجميع نوعا نادرا في الأدب النسائي وقد عمت بفائدتها أماكن كثيرة داخل إنكلترا وخارجها ، ومع تقدمنا بالعمر واجهنا طيلة مسيرتنا الأدبية انتقادات وصلت حد السخرية منا برسوم كاريكاتيرية كنت أنال منها كثيرا ، لكن ليسينغ لا أذكر أنها تعرضت لمثل ما تعرضنا له بسبب كونها نموذجا شجاعا للمرأة الكاتبة وكثيرا ما وقفت مع المواهب الجديدة سواء على الصعيد الأدبي أو الفني حتى في أصعب الظروف التي مرت بها .
 عن/ الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram