TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فشل مستمر في إضاءة المسرحيات في العراق

فشل مستمر في إضاءة المسرحيات في العراق

نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م

ثبت لي من مدة غير قصيرة أن العاملين في إضاءة المسرح العراقيين لا يعرفون شيئاً عن وظائف الإضاءة المسرحية وخصائص الضوء الفيزيائية وتقنيات تعليق الأجهزة وتوزيعها وتلوينها ،فهم لم يدرسوا هذه الصفة وهذا الفن بشكل تفصيلي لا في معاهد الفنون ولا في كلياتها ولا في الفرق المسرحية وإنما اعتمدوا على ممارستهم وذائقتهم الشخصية، ولذلك، ولا أدري من أين جاءتهم هذه النزعة، فهم يعتبرون الظلام هو القاعدة والإضاءة هي الاستثناء وليس العكس الصحيح ،وعليه لا يستطيع المشاهد أن يرى وجوه الممثلين منارة وواضحة فيتعرفوا على تعابيرها في إيصال المعاني والدلالات المطلوبة في العرض المسرحي، ولذلك أيضاً أخفقت كثرة من العروض المسرحية العراقية في إحداث التلقي الجيد لدى المتفرج جراء ذلك النقص في إضاءة المسرح.
يقتضي أول مبادئ إضاءة المسرح أن تسقط أشعة إضاءة الأجهزة على وجوه الممثلين من جانبين متعاكسين  بزاوية سقوط 45 درجة وبشدة ضوئية مختلفة أو بلونين مختلفين، ولم أشاهد لحد اليوم تطبيقاً فعلياً لهذا المبدأ ويغفل مصممو الإضاءة ومنفذها أهم وظائفها في المسرح وهي الإظهار الاختياري وكشف الشكل المجسد والإيهام بالواقع أو عدمه، والجو النفسي والتكوين الصوري، ولم أشاهد لحد اليوم أحداً منهم وقد جلب معه مخططات وخرائط لتصاميمه وهذا ما يتطلب العلم و الفن بل تراهم يعملون على هواهم آنياً، ومن غير تحضير مسبق.
لو رجعنا إلى أصل كلمة "ثياتر-مسرح" وهي باللغة اليونانية "ثياترون" فان معناها مكان للرؤية، ويذكر "دليل أوكسفورد للمسرح والعرض" بأن تصميم الإضاءة المسرحية إنما هو عملية تقتضي توفر المهارة الفنية والحرفية لدى المصمم ولا يعتمد على الاستلهام والخيال وحسب وإنما على فعالية علمية وفق مخططات تهيئ مسبقاً وعلى وفق قواعد اتفق على تطبيقها جميع العاملين في الفن المسرحي لتحقيق ما ذكر من مهام، ويذكر ذلك المعجم المتخصص وجوب حضور مصمم الإضاءة تمارين المسرحية وتسجيل ملاحظاته عن مسار العرض لتحديد مناطق التمثيل أولاً وتحديد المتغيرات في حركة الإضاءة وتنويع شدتها ثانياً وتصور الأجواء النفسية بمختلف المواقف في العرض المسرحي ثالثاً: بعد أن ينتهي مصمم الإضاءة من تثبيت ملاحظاته ينتقل إلى الخطوة التالية ألا وهي وضع المخططات والترسيمات والكشوفات بشأن عدد الأجهزة ونوعها وكيفية توزيعها على منطقة التمثيل وعلى المنظر المسرحي ومن ثم تأتي خطوة توزيع الألوان الضوئية الحارة والباردة وبعدها يضع الجدول الخاص بالإجراءات العملية أثناء التمارين النهائية وخلال العرض.
من واجبات مصمم الإضاءة عقد اللقاءات المستمرة مع المخرج ومع مصمم الديكور ومصمم الأزياء بخصوص الخطوات التي يمر بها في التحضير للإضاءة وبحضور تأثير ألوان الإضاءة في ألوان مفردات المنظر والأثاث وألوان الماكياج على وجوه الممثلين وألوان الأزياء التي يرتدونها أثناء العرض حيث تغيّر الأضواء تلك الألوان كثيراً وربما تشوهها أحياناً.
أحدثت التطورات التكنولوجية في الوقت الحاضر ثورة عارمة في فن تصميم الإضاءة وما تحدثه من مؤثرات بصرية تذهل المتفرجين مما يقتضي تعرفها من قبل المصممين والاستفادة منها في إسناد عناصر العرض الأخرى –الممثل والزي والمنظر وتحقيق ابتكارات تضاف إلى ابتكارات المخرجين إن وجدت.
ومع ذلك يبقى  الاختيار للمثلين على خشبة المسرح المهمة الرئيسة للمصمم، والممثل هو العنصر الأهم في العرض المسرحي فهو الذي يوصل رؤية المخرج ورسالته إلى الجمهور وهو الذي يؤثر في عقول المتفرجين وفي نفوسهم ولا يحدث ذلك التأثير إن لم يكن مرئياً وواضحاً للإبصار وللبصائر، وإذا أخذنا بالمقولة أن العرض المسرحي عبارة عن شبكة علامات لها دلالات فلابد إذاً أن نذكر أن  للإظلام على خشبة المسرح دلالات فإن غابت عندها تغيب مهمة مصمم الإضاءة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram