شهدت العلاقات العربية التركية منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك إلى يومنا هذا كثيراً من التشنجات في حقب زمنية عدة ولم تقتصر تلك التشنجات على دوله عربية واحدة بل شملت دولاً عديدة.
وكان اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني عام 1949 بداية لتدهور تلك العلاقات مما أدى إلى ترك آثار سيئة على العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الأقطار العربية ،وقد تم هذا الاعتراف بضغط أمريكي وكخطوة أولى لقبول تركيا في حلف شمال الأطلسي .
وحين قامت ثورة 23 تموز 1952 في مصر وسقط النظام الملكي فيها اتسم الموقف التركي من الثورة بالسلبية وقد نجحت الدوائر الغربية في تعميق الخلافات بين مصر وتركيا ,كما كان موقف تركيا من تأميم قناة السويس وفرض السيادة المصرية عليها والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 سلبيا.
أما موقف تركيا من ثورة الجزائر فقد كان سلبيا ولم يتغير إلا في أعقاب انقلاب عام 1960 حين دعت الحكومة التركية بتأثير من الزعيم اليميني (ألب أرسلان توركيش)إلى دعم حركة التحرر الوطني في الجزائر .
وعند قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق وانهيار النظام الملكي حشدت تركيا قواتها على الحدود مع العراق وحاولت التدخل عسكريا للإطاحة بالحكومة الجديدة إلا أن التحذير السوفيتي وضغط المعارضة الداخلية في تركيا والنصائح التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أدت إلى منع تركيا من الإقدام على هذا العمل.
وقد أقدمت تركيا في تشرين الأول عام 1969 على حضور مؤتمر القمة الإسلامية الذي انعقد في الرباط بالمغرب لبحث حادثة إحراق المسجد الأقصى من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ،وقد كان حضور تركيا في المؤتمر الإسلامي بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية التي طلبت من تركيا أن تقوم بدور فاعل داخل منظمة المؤتمر الإسلامي ولكن لحساب الغرب ،ويبدو أن الخطة نجحت إلى حد كبير .
ولم يتغير موقف تركيا العدائي للدول العربية في حرب 1973 بقيامها باستخدام التسهيلات غير القتالية كمحطات الاتصال خلال عمليات الإمداد للكيان الصهيوني.
وقد شهدت الفترة الأخيرة بتدخل واضح وسافر من قبل تركيا بالشأن العربي وخصوصا في سوريا والعراق وبات واضحا للجميع ما تقوم بها تركيا بمد الجيش السوري الحر بالأسلحة والمعدات لإسقاط حكومة الأسد ,ولم يختلف الحال في العراق فقد أخذت تتدخل في الشأن العراقي خصوصا بعد زيارة وزير خارجية تركيا مدينة كركوك بدون علم مسبق من قبل الحكومة العراقية وإيوائها طارق الهاشمي المحكوم بالإعدام لقيامة بأعمال إرهابية بالعراق .
ولعل المتتبع للشأن التركي يرى في خطاب أردوغان الأخير في ذكرى تأسيس حزب العدالة الذي تطرق فيه إلى أمجاد السلاجقة وإنجازاتهم للإسلام ،ولذلك نرى في خطبته هذه مؤشرا خطيرا ،لأن ما يصبو إليه أردوغان هو السيطرة والتحكم بالبلدان العربية والإسلامية من خلال تذكيرهم بإنجازات الأتراك سابقا .ويتطلب مثل هكذا وضع أن تكون هنالك مقترحات عملية لتطوير العلاقات التركية العربية أمام صناع القرار وتقوم هذه المقترحات على أساسين اثنين:
أولهما الحاجة إلى حوار عربي تركي صريح وعملي على غرار الحوار التركي الأوروبي، فبالرغم من كل العلاقات الرسمية بين تركيا والأقطار العربية فإن روح العلاقات بحاجة إلى دعم شعبي ،فالخبرة التاريخية خلال عهد السيطرة العثمانية التي امتدت لأربعة قرون والانعزال الطويل بين الأتراك والعرب بعد الحرب العالمية الأولى ,يحتمان إجراء مثل هذا الحوار الفكري ، وبذلك سنتوصل إلى صيغة تخدم قضايا الأمتين العربية والتركية .أما الأساس الثاني فهو الحاجة الماسة لتطوير العلاقات بين الشعبين التركي والعربي من خلال برنامج واسع الأمد بحيث لا يقتصر على الجوانب السياسية وإنما الجوانب الاقتصادية والثقافية من دون أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
العرب وتركيا
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2012: 05:01 م