ليست المرة الأولى التي تطرد فيها مصر السفير التركي، فتاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يُظهر مرورها بمحطات مختلفة منذ إنشائها، وكانت المرة الأولى عام 1954 حين قرر مجلس قيادة الثورة طرد السفير التركي فؤاد طوغاي، زوج الأميرة المصرية أمينة مختار، ابنة عمة الملك فاروق، بعد حملاته المستمرة ضد الثورة، وتوجيه ألفاظ نابية لعبد الناصر، وبرز التوتر مرة أخرى عام 1961، عندما رفضت أنقرة الوحدة المصرية السورية وأقرت الانفصال، وبقيت العلاقات خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين متعلقة بالجوانب الاقتصادية، أكثر منها بالجوانب السياسية، وفي التسعينات توطدت العلاقات السياسية، بسبب الدور الذي لعبته مصر في تهدئة الوضع بين تركيا وسوريا، في نزاعهما حول المياه، والحدود، والأكراد.
بدأت حالة التوتر الأخيرة في علاقات البلدين، منذ ان أدلى أردوغان بتصريحات ضد شيخ الأزهر والقوات المسلحة، وانتهت بإشادته بموقف مرسي المخلوع أمام الجلسة الأخيرة لمحاكمته. وحتى قبل ساعات من إعلان مصر طرد السفير، كانت اسطنبول تستضيف مؤتمرا للتنظيم الدولي للإخوان تحت مسمى "مؤتمر تحالف الحقوقيين الدوليين" لمقاضاة النظام الحالي في الجنائية الدولية، وهو ما عدته القاهرة تصعيداً لايمكن السكوت عليه. قبل ذلك كان أردوغان قد دعا لإطاحة مبارك، وسارع الرئيس عبد الله غول لزيارة القاهرة أيام حكم المجلس العسكري، ليبحث فيها سبل دعم كل أشكال التعاون بين البلدين خلال المرحلة الانتقالية.
يقول التاريخ إن مصر صارت ولاية عثمانية سنة 1517م، وتتابع على حكمها 136 والياً، ولم تكن هادئة بالكامل، ففي بدايتها تمرد المماليك عام 1522، ثم إن الوالي محمد علي عزم على الاستقلال عن خلافة بني عثمان عام 1838 ، لكنه لم يتمكن من تحقيق أمنيته التي تحققت جزئياً عام 1914 ، حين أعلنت بريطانيا انفصال مصر نهائياً عن الدولة العثمانية، ووضعها تحت الحماية البريطانية، وإسناد الحكم إلى السلطان حسين كامل، وإذ رفض المصريون استبدال استعمار بآخر، فإنهم حاولوا عدة مرات اغتيال السلطان الجديد، على وقع الأهزوجة الشعبية ''الله حي.. عباس جي''، تعبيراً عن رغبتهم بعودة السلطان المعزول، أملاً في التخلص من الاحتلال البريطاني، وبالاجمال فان العلاقات التركية المصرية توترت منذ انضمام تركيا إلى ''الناتو'' عام 1952، حيث نظرت تركيا بعداء إلى القومية العربية ونظام ناصر، باعتباره حليفاً للاتحاد السوفياتي، الذي يهدد نفوذها في المنطقة، كما أن تأسيس ''حلف بغداد'' في خمسينات القرن الماضي أدى إلى احتدام الخلاف، حيث وصف ناصر الحلف بأنه مثال آخر على الاستعمار الغربي.
باتت علاقات القاهرة مع أنقره "سمناً على عسل" إبّان حكم الإخوان، واستقبل المصريون غول وأردوغان، وحضر مرسي في تركيا المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية ، وأدى التقارب الأيديولوجي إلى ما يرقى لمرتبة التحالف إزاء ما يحدث في سوريا، واتخذت تركيا موقفاً مناهضاً للثورة ضد حكم الإخوان، وصفها أردوغان بالانقلاب، وقال إنه لايحترم حكام مصر، باعتبار أنهم وصلوا إلى الحكم من خلال الانقلاب على الشرعية، ورفع الرجل أصابعه الأربعة للدلالة على أحداث رابعة العدوية، فتحول ذلك إلى لافتة يرفعها الإخوان في مظاهراتهم حيثما تكون، والواضح اليوم أن القاهرة على استعداد لتحمل نتائج خفض العلاقات، وكلفة هذا التصعيد على الأوضاع الاقتصادية المتباطئة، باعتبار أنه ليس هناك ما يساوي أهمية وقف التدخل في شؤونها الداخلية، وهي بذلك تُرسل رسالة إلى العالم كله، مفادها أن مصر ترفض التدخل في شؤونها الداخلية، وعلى نحو يضعه أمام ضرورة الاختيار بين الاستمرار في محاولة التدخل، أو استمرار العلاقات مع مصر.
مصر وتركيا حين يتكرر التاريخ
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م