سعد محمد رحيميزخر تاريخنا الاجتماعي والسياسي الحديث (القرون الثلاثة الأخيرة) بأحداث مثيرة، وشخصيات أدت أدوارها سلباً أو إيجاباً في سياق ذلك التاريخ. ويعد هذا منجماً سردياً ثرياً يمكن لفنون القصة والرواية والمسرحية والدراما التلفزيونية والفيلم السينمائي الاغتراف منه، وتقديم أعمال أدبية وفنية لا تعد ولا تحصى. غير أن المطّلع على حقيقة المنجز بهذا الصدد يُصاب بخيبة أمل، ذلك أن ما رأى النور من مثل تلك الأعمال، ذات المواصفات الفنية والفكرية الجيدة، لا يتعدى عدد أصابع اليدين، في حقول الرواية والدراما والمسرحية.
فيما فقر الإنتاج السينمائي العراقي ومحدودية صناعته يجعلاننا لا نكاد نؤشر سوى عمل أو عملين لا يرتقيان، كذلك، إلى مستوى الطموح. وما يعنينا في هذا المقام هو الدراما العراقية التي حاولت في السنوات الأخيرة تلافي القصور في مجال الاستفادة من السرديات التاريخية وصورة الواقع المعاش، فخلقت أعمالاً استلهمت الحدث التاريخي والواقعي العراقي والشخصية الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو حتى الشعبية العراقية. لكن ما تحقق بهذا الخصوص قليل جداً، وأيضاً، بمواصفات فنية هي أدنى بالقياس إلى التطور الذي شهده حقل الفن الدرامي في بعض البلدان العربية كمصر وسوريا. ونعرف جميعاً كيف أن كتّاب الدراما في مصر استثمروا ببراعة يمكن تأشيرها حكايات تاريخهم القريب وقدموا مسلسلات تلفزيونية استقطبت اهتمام المشاهدين على نطاق واسع، في سبيل المثال لا الحصر (الشهد والدموع، ليالي الحلمية، بين القصرين وقصر الشوق، أم كلثوم، ريا وسكينة، الخ). وبطبيعة الحال مع تباين مستويات الأعمال آنفة الذكر، والمآخذ التي يمكن تأشيرها على كل منها. يهرب كثير من المعنيين بشأن الدراما في العراق كتّاباً ومخرجين وممثلين إلى السطحي (لا العميق) والتهريجي (لا الكوميدي الحقيقي). وأحياناً يخرجون علينا بأعمال درامية تتناول التاريخ والواقع العراقيين، ولكن برؤية تفتقر إلى العمق والحس التاريخي، وبأشكال فنية فجة، في أغلب الأحيان، مع إضفاء بعض النكهة المحلية عليها. والصفة الأخيرة هي التي تجذب المشاهدين، مثلما يحصل مع بعض المسلسلات التي تعرض في شهر رمضان من كل عام. واليوم تعمل القنوات الفضائية في فضاء مفتوح نسبياً، أي ان القيود التي كانت تفرضها الحكومات السابقة على أعمال القنوات المحلية (والتي كانت تتحكم بإدارتها وأدائها وبرامجها) لم تعد لها أية فعالية، بحكم أن الأعمال الدرامية، الآن، يمكن أن تُنجز في أي مكان (آمن) من العالم وتُبث وتصل إلى كل بيت. وهذا ما يمنح ميزة لا تقدّر بثمن لكتّاب الدراما ومخرجيها وممثليها وفنييها لتقديم أعمال جريئة، لا تحاصرها التابوات السلطوية كما كان عليه الأمر في الأمس القريب. إن التاريخ العراقي الحديث والمعاصر، ولا سيما منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 1921 ينطوي على تفاصيل واقعية غاية في الغنى والإثارة والدلالات، وبمستطاع كتّاب الدراما (ونحن بأمس الحاجة لجيل جديد منهم)، مع شيء من توابل المخيلة الفنية، أن يبدعوا، ما يجعلنا نفهم أنفسنا وواقعنا وتاريخنا بشكل أفضل، لنتجاوز إخفاقاتنا، ونقوّي اللحمة العراقية التي هي رهاننا الوحيد للخروج من محنتنا الحالية.
وقفة: تأريخنا وفن الدراما
نشر في: 11 نوفمبر, 2009: 07:07 م