TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "حرامية" الشهادات في الدولة العراقية

"حرامية" الشهادات في الدولة العراقية

نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م

نضحك على أنفسنا، يضحكون علينا، نشاهد أحداثا عشناها من قبل، شاركنا في تفاصيلها، انفعلنا بها، سكبنا أنهارا من الحبر حولها، وفجأة تعرض علينا من جديد، فنتعامل معها كأننا نراها للمرة الأولى، ثم نعيد ما فعلناه وندخل في معارك جديدة، وكأن هناك اتفاقا غير معلن بيننا جميعا على أن نشارك في مسرحية نحن جمهورها وممثلوها. ولم تنته بعد المشاهد المثيرة التي قام بإعدادها صاحب "صخرة بغداد" حتى أعدت لنا جهات سياسية وحكومية مشاهد مسرحية جديدة،  ففي إحصائية مثيرة أجراها أحد الزملاء اكتشف أن أكثر من ثلثي المسؤولين والنواب حصلوا على شهادات عليا أثناء فترة الجلوس على كرسي المنصب او عضوية البرلمان، وأضاف الصديق الذي أثق بدقة معلوماته، أن دورتين للبرلمان والحكومة أنتجت المئات من أصحاب الشهادات العليا.. بل ذهب الغرام بالبعض منهم ان حصلوا على شهادات عليا باختصاصات لاعلاقة لها بما درسوه في الجامعة، فنجد أحد الوزراء يتحول من طبيب إلى ماجستير في العلوم السياسية، وآخر من روزخون إلى دكتوراه في علوم الاتصالات، وثالث يسجل رقماً قياسياً في شهادات التخرج، فيحصل على بكالوريوس في الهندسة، وماجستير في علم النفس ودكتوراه في العلاقات الدولية.. أما عن "صاحب الصخرة" فقد اكتشفنا أنه حاصل على شهادة عليا في معالجة النفايات، في الوقت الذي تغرق فيه بغداد بـ" المزابل"!
لا أجد تفسيراً واحداً إلا أن ما يجري هو عبث من نوع خاص، عبث لا يختلف كثيرا عن تصريحات النائب عن دولة القانون محمد الصيهود التي أعلن فيها ان العراق يقف وراء توقيع إيران على الاتفاق النووي مع الغرب، وأن الحكومة العراقية استطاعت ان تغير صورة إيران لدى الولايات المتحدة الأمريكية!
لكن العبث يصبح أكثر مرارة حين نقرأ في بعض الصحف إعلانات مدفوعة الثمن من أموال الدولة لمقالات تكتب عن عبقرية الوزير الذي ناطح هنتغون صاحب "صراع الحضارات".. وان هذا المناطح لم يكتف بذلك بل نشر إعلاناً وبالألوان عن مؤلَّف ضخم يكشف فيه سقوط واضمحلال الولايات المتحدة الأمريكية.
أتذكّر أن العديد من رجال نظام صدام سعوا إلى الحصول على شهادات عليا ليضيفوها إلى سلسلة الامتيازات التي أباحوها لأنفسهم، فوجدنا سبعاوي الذي لم يكمل الإعدادية يصبح "دكتورا" في العلوم السياسية، والمعجزة حسين كامل يتحول من نائب عريف إلى فريق ركن ويتولى مهام ثلاث وزارات في آن واحد،، ويحصل النائب الضابط علي حسن المجيد على شهادة عليا من كلية الأركان لمساهمته الفاعلة في استخدام السلاح الكيمياوي ضد أبناء شعبنا الكردي. ولعل أطرف الحكايات هي حكاية الرجل الظل في النظام "عبد حمود" الذي حصل على شهادة الدكتوراه عن رسالته الموسومة بـ"ستراتيجية النصر في أم المعارك" وطبعا الرسالة لم تذكر نوع النصر، هل هي الهزيمة التي ألحقت بالقوات العراقية أم الشروط المهينة التي وافق عليها صدام لإيقاف الحرب!
اليوم يحاول البعض أن يعيد سيرة عبد حمود وصحبه "الميامين"، فأخذوا يقلدونهم لا في القصور والامتيازات ونهب المال العام والرشوة وحسب، بل أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤول كبير في إحدى المحافظات يسعى للحصول على درجة الدكتوراه وهو لم يكمل الإعدادية، فيما يتحول مضمد "برمشة عين" إلى مسؤول بارز في إحدى الوزارات، وإمام جامع وزيرا، وأصبح حرف الـ "د" مفتاحاً سحرياً أشبه بمصباح علاء الدين، الكل يسعى للحصول عليه من أجل أن تفتح في وجهه مغارة علي بابا.
والأخطر من هذا أن يرفع البعض شعار" دعهم يمرون " لترسيخ قواعد زواج الفساد بالمنصب الحكومي، ولينال المزورون التكريم والحماية، وليستعد الناس المساكين لظهور سياسي آخر يطالب بتأمين تشريعات تحمي الفاسدين في المرحلة المقبلة، وإقرار قانون يكفل البقاء للأفسد، والوقوف بصلابة ضد المغرضين من الذين يرفعون شعار المواطنة والكفاءة والنزاهة، لأنها شعارات أثبتت زيفها،فهي تريد الالتفاف على صوت الجماهير التي لا تزال تنتظر طلّة وزير آخر يحمل دكتوراه في الضحك على الشعوب..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. مهند البياتي

    اضطر وزير الدفاع الالماني للاستقاله قبل حوالي العام، لانه اقتبس في اطروحه الدكتوراه الخاصه به لا المزوره، فقره يبدو انها مهمه، لكن لم يشر الى مصدرها، و اعتبروها مساسا بالامانه العلميه!!!، و اعتذر الوزير عن هذا التصرف. على السلطه الرابعه اي الصحافه الورقيه

  2. عادل كاظم

    كل ما كتبته يا استاذ علي هو صرخة ضمير بصوت الزلازل..هذا ما نعانيه فعلا وهو الواقع يا اخي... والكارثه الحقيقه ان بلدنا لم يتقدم خطوه للامام ولن يتقدم ابدا.... بسب المزورين ونظام مسخ يحميهم...

  3. رعد الصفار

    تحيه الي السيد علي حسين ارجو واتمني ان تنشر اسماء المزورين لكي يطلع ابناء هذا البلد علي هذه النكرات التي تحكم

  4. داخل السومري

    أنا معاك يا بياتي، ما دام المزور والمختلس والحرامي يشغل منصبا رسميا بدوائر الدولة الرسمية يجوز بل ويجب فضحه بألاسم والكنية وتعريف الشعب المغلوب على امره بمن يقوم بسرقته والتلاعب بمقدراته. وهذا جائز ومعمول به في جميع الدول المتحضرة.

  5. د.أبو ألعباس محمد

    أنا أعجب كل ألعجب من مواقف وردود أفعال مثقفينا.ياسادتي إن لم يكن قلمكم يمتلك ألشجاعةفي ألتشخيص بالأسماء لم يعد قلما بل خشبة مجردة لاتمتلك ألمقدرة على علاج ألخطأ للحفاظ وتطوير بلدنا.ألمزورين كثر وأبدأهم برؤساء ألجامعات وعمداء ألكليات ألذين نصبوا وفقا للقرا

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram