1
كل شيء في العراق الجديد محيّر ومحزن وغريب، ويدعو للسخرية والقرف وحتى البكاء، صراعات سياسية دينية مذهبية سلطوية، ملفات فساد، شبهات، تواطؤات، انقسامات، إعدامات، تهميشات، مكرمات وهبات، تفجيرات، اعتقالات، اغتيالات، هروب، تهجيرات، ترميمات، تلزيقات، تزويقات ،وكل ما هو مختلف ومنافي للعقل والتصور. فكيف يمكن تصور أن وزير الثقافة "وزير الدفاع وكالة" سعدون الدليمي يجتمع بالمدراء العامين في وزارة الدفاع، لأجل مناقشة الواقع الثقافي العراقي، والإشكاليات التي يعانيه، بالإضافة إلى مناقشة مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013 بصفتيها، الأولى، مسؤوليته الأمنية المتمثلة بحماية بغداد، القتل، والدمار، والخراب، والإرهاب، والتفجيرات، والاغتيالات. وبغداد ضياع، وخوف، وعوز المثقف، ومشروع عاصمة الثقافة العربية، غير الواضح ولا مكتمل الملامح. وكيف يمكن للعقل أن يفهم أن الحكومة التي لاتعلم شيئاً عن ثقافة الدولة، وعن هموم ومشاكل مثقفيها، وأحوالهم المختلفة، الحكومة التي لم تكلف نفسها محاولة إشراك المثقف العراقي في بناء العراق الجديد، الحكومة التي تخاصم الثقافة والأدب والفن، الحكومة لم تدعم مشروعا ثقافيا واحدا ولا مهرجانا أدبيا أو فنيا، طوال الفترة الماضية إلا ما ارتبط بها، الحكومة التي تنظر إلى المثقفين على أنهم سكارى وشاربو خمر لا أكثر، الحكومة التي لا يعرف وزراؤها خمسة أدباء وفنانين عراقيين، الحكومة التي لا ولا... إلى ما لا نهاية . . كيف يعقل بعد كل هذا أن الحكومة الرشيدة تريد إشراك المثقف في المصالحة الوطنية من خلال مؤتمر شابه الكثير من اللغط ودار حوله الكثير من الكلام المقال وغير المقال، وهي في ذات الوقت أي الحكومة الرشيدة، متخاصمة مع الثقافة والأدب والفن، ومتخاصمة مع المثقف والأديب والفنان، إلا ما يصب في مصلحتها، ومن يدخل في بيتها وطاعتها، فهو آمن معزز مكرم.
2
في البدء نؤشر الإرباك الذي رافق تحديد موعد انعقاد المؤتمر، فالموعد تغير أكثر من مرة وخاصة في اليوميين الأخيرين قبل انعقاده، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على مهرجان المتنبي الشعري، الذي كان مقاما في مدينة واسط، بإمكانات محدودة، إذ لم تستطع اللجنة التحضيرية للمهرجان دعوة أكثر من 60 أديبا. وهنا لابد من الإشارة إلى أن إدارة المؤتمر استغلت اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، بتوجيه الدعوات وتبليغ المدعوّين عن طريق الناطق الإعلامي باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الشاعر إبراهيم الخياط، الذي فضل المشاركة في ختام مهرجان المتنبي على افتتاح المؤتمر. وهنا لابد من توضيح أمر، استفسر عنه الكثير من الأدباء قبل وبعد انعقاد المؤتمر وما رافقه من حديث، عن موقف الاتحاد من المؤتمر، وما سيطرح به. الاتحاد العام كما معلوم راعٍ لأي نشاط وفعالية ثقافية تصب في مصلحة الجميع. وان الخياط كان يمارس عمله النقابي والإداري في اتحاد الأدباء، بغض النظر عن موقفه الشخصي من المؤتمر أو موقف الاتحاد. علما أن الكثير منهم لبى دعوة الحضور لأجل ذلك، ظننا منهم أن الاتحاد العام للأدباء مشارك ومنظم فاعل بالمؤتمر.
ولأجل الاستفهام عن أمر تقديم موعد افتتاح المؤتمر من يوم الجمعة 28/ 9، إلى يوم الخميس 27/ 9 اتصل احد المدعوين بمستشارة مستشار رئيس الوزراء لشؤون المصالحة الوطنية، حيث أخبرته أن رئيس الوزراء ارتبط بموعد مثلما وصفته هام جدا يوم الجمعة، لذا كان لابد من تقديم الموعد إلى يوم الخميس. تصوروا أن قرار تقديم موعد الافتتاح اتخذ مساء يوم الثلاثاء!. وتصوروا مدى الالتزام والجدية بالموعد، واحترام الثقافة والأدب والأدباء، والاهتمام بموعد متفق عليه منذ فترة ليست بالقصيرة، إذ من المفترض أن الموعد ثبت في روزنامة رئيس الوزراء، ويجب احترامه لا بل تقديسه كونه مع مثقفي العراق. لكن العتب واللوم يقع على اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر وكيف ارتضت أن يكون الأدباء بهذا الموقف الهزيل الذي لايرضي ولايسر. لكنّ للنوايا والمصالح قولاً آخر ورأياً آخر.
3
حفل الافتتاح الذي أقيم في المسرح الوطني، استهل بكلمة رئيس الوزراء وكما عهدناه، كلمة وعظية إرشادية بلغة الوعيد والتهديد، تدور في فلك الخصومات السياسية والاختلافات والصراعات، كلمة المستشار، كانت غرائبية ،وهو يندد بفكرة الحزب الواحد ! متناسيا أن أساس الأزمة السياسية الحالية، وجزءاً من الخصومة السياسية الحالية هو سياسة قيادة الدولة بلون الحزب الواحد. وبعد فقرات فنية سريعة وقراءات شعرية، جاءت كلمة الأستاذ فاضل ثامر رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، حيث كانت في آخر الفعاليات ،أي بعد خروج رئيس الوزراء وأعتقد أن هذا الأمر دبر بالليل، لما عرف عن الأستاذ فاضل أنه يقوم بتوجيه سهام النقد البنّاء والموضوعي، لمؤسسات الدولة في إهمالها الثقافة والمثقف. أما نشيد المؤتمر، فقد كان خيبة المؤتمر الكبرى حسب رأي كل من حضر حفل الافتتاح من الأدباء والشعراء. فقد كان بعيدا عن البناء الحقيقي للنشيد.
ومن مهازل حفل الافتتاح أيضا، وجبة الغداء ،فقد كانت طريقة تقديمها مخزية جدا، إذ لايوجد مكان يتسع للجميع، لذا فان البعض اخذ يتناول الغداء قرب أماكن القمامة، علما أن سعر الوجبة كان 45 ألف دينار حسب مصادر مطلعة. الجلسات النقدية والشعرية كانت خاضعة للمزاج، والمجاملة والعلاقات الشخصية، من إدارة الجلسة إلى المتحدثين والشعراء . ومن المفارقات أنه في إحدى الجلسات أعطت المشرفة قائمة بأسماء أربعة شعراء، وهذا ما رفضه مقدم الجلسة، الذي تبنى قائمة أخرى مقدمة من أستاذ وناقد من القائمين على المؤتمر، تضم الشعراء :موفق محمد وكاظم الحجاج وآخرين، لكن الأمر أثار المشرفة ،حيث أبدت اعتراضا على صعود الحجاج ومحمد المنصة بحجة أنهما "يشتماننا" ! إضافة إلى الكثير من الحالات الأخرى التي لا يستوعب المقال ذكرها الآن، ومن ضمنها التعامل الفظ مع المثقفين. علاوة على أن المشرفة على المؤتمر رفضت مشاركة ثلاثة أسماء إبداعية عراقية ممثلة، بالناقدة والشاعرة د.ناهضة ستار، والشاعر حسين القاصد، والشاعر أجود مجبل، لأسباب شخصية ! ترى أين المصالحة، يامؤتمر المصالحة؟!
4
أما مسألة توزيع الهبات على طريقة المكرمة، وحسب تصنيف الأدباء فهناك من تسلم 500 ألف دينار ،وآخر 250 ألفاً ،وثالث 50 ألف دينار، لا ندري كيف وزعت ووفق أي استحقاق، لكنها ذكرتنا بما كان يحدث في زمن ثقافة البعث المقبور ، أو ربما يعتقد القائمون على المؤتمر أنها من وسائل المصالحة !
أما ما تبلور عنه المؤتمر وعده البعض أولى الثمرات، فهو إعلان المصالحة بين أدباء الأنبار والنجف، وهو أمر يدعو للسخرية، فبالأمس تواجد أدباء الرمادي في ملتقيات عالم الشعر الأول والثاني في النجف، كما تواجدوا في ملتقى عالم السرد، وفي ملتقيات أخرى في الديوانية والناصرية والعمارة، مثلما تواجد أدباء النجف في ملتقى هيت الثقافي، وأقام بيت السرد العربي جلسة في الرمادي، فضلا عن مشاركتهم مع أدباء صلاح الدين والموصل في مهرجان المربد، مع مشاركة كل أدباء المحافظات في مهرجان أبو تمام الذي أقيم مطلع العام الحالي في الموصل. أي مهزلة تلك التي تعد هكذا أمر بالثمرة، ومن يستطيع القول أن هناك اختلافا أو خصاما بين أدباء الرمادي والنجف، ومن له الحق بان يضع هذا التصور عن الثقافة العراقية ، وأنها بحاجة إلى مصالحة، الأدباء العرقيون متصالحون وطنيا على طول وعرض خارطة البلد وليسوا بحاجة لمثل هكذا مؤتمرات . إضافة إلى العلاقات والصداقات الشخصية التي تربط الأدباء في ما بينهم، وإن كان لابد منها، أي مؤتمرات المصالحة، يفترض أن تكون تحت باب مصالحة الحكومة للثقافة والمثقف، وتبنّي المشروع الثقافي العراقي ودعم الثقافة العراقية بكل مفاصلها وجوانبها.
5
مازال مثقف العراق الجديد ومؤسسته العتيدة المتمثلة باتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، يشكل صداعا ووجع رأس للحكومة، حسب رأي أحد الحكوميين ، بكتاباتهم، واعتصاماتهم، وتظاهراتهم التي ترفض إقامة حدود الله. ولم يدخل في بين الطاعة الحكومية، وينصت لما تمليها عليه ومن ثم يطبق من غير اعترض. لذا تجده بعيدا كل البعد عن رعاية واهتمام الحكومة، ولم ينل أي حق من حقوقه التي من المفترض أن يكفلها الدستور والقانون، أسوة بباقي النقابات والاتحادات التي تعيش في أحضان ونعيم "حكومتنا الرشيدة". تلك الحكومة التي تقيم فعالية تأسيس نقابة الصحفيين بمئات الآلاف من الدولارات، ومؤتمر مصالحة، وعشرات الندوات والمؤتمرات الدينية والعشائرية والتعبوية على مدار أيام السنة بملايين الدولارات الأميركية ؛ لكنها تبخل على المثقف بعدة ملايين من الدنانير العراقية لإقامة مهرجان أو ملتقى ثقافي حقيقي. وها هو مهرجان الجواهراي الكبير يقام بالإمكانات المحدودة والمتوفرة للاتحاد العام الأدباء والكتاب في العراق.
ولأنه لم يدخل المثقف في بيت الطاعة الحكومي ويرتمي في أحضان الحكوميين، باستثناء البعض الذي يجيد ذلك، فنالوا المكارم والمغانم في فترة سابقة، وأصبحوا مدراء عاميين ومستشارين ونواباً في الفترة الحالية. ولأن هؤلاء وأمثالهم هم من ينفعون الحكومة، لذا ستعمد مرة أخرى وتقيم مؤتمر مصالحة آخر أشمل وأكبر، وتدعو فيها لمصالحة مثقفي النظام السابق، وتقريب من تريد منهم مثلما فعلت في الكثير من المجالات الأخرى، وستدعمهم وتمدهم بكل شيء، حتى يصلوا إلى هرم الثقافة العراقية ويُدخلوها بيت الطاعة الحكومي.
ترى ألم يكن الأجدر بهذا المؤتمر دعوة ومصالحة، مثقفي العراق ممن وقفوا بوجه الطاغية المقبور، ونظامه المباد، وتعويضهم بما يمكن، علما أن أغلبهم لايبحث عن مكرمة أو مغنمة، أو منصب وجاه ، بقدر ما يبحث عن بادرة اعتزاز وتكريم ولو رمزي، وإعادة حقوقهم كافة ،وتقديم كل الرعاية والاهتمام لهم، مع بقية مثقفي العراق في الداخل والخارج.
المثقف والحكومة ومؤتمر المصالحة الوطنية
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2012: 05:03 م