في عام 1972التقى الناقد ليونيد كوزلوف مع المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي وتحدث عن الأفلام المفضلة لديه :أتذكر جيداً ذلك النهار الرطب الرمادي في نيسان عام 1972 . كنا نجلس أمام نافذة مفتوحة ونتحدث عن أمور عديدة حين تحولت المحادثة إلى الحديث
في عام 1972التقى الناقد ليونيد كوزلوف مع المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي وتحدث عن الأفلام المفضلة لديه :
أتذكر جيداً ذلك النهار الرطب الرمادي في نيسان عام 1972 . كنا نجلس أمام نافذة مفتوحة ونتحدث عن أمور عديدة حين تحولت المحادثة إلى الحديث عن فيلم "مرة كان يعيش الشحرور المغرّد" لأوتار آيوسلياني.
قال تاركوفسكي: "إنه فيلم جيد" وأضاف حالاَ راسماً كلماته :" على الرغم من أنه، فيه القليل أيضاً.. أيضاً". ثم توقف صامتاً مع جملة لم ينهها ودارت عيناه. وبعد فترة من التأمل الشديد عضّ على أظافره واستمرّ بالقول بشكل حاسم:" كلا. كلا. إنه فيلم ممتاز".
وعند هذه النقطة سألت تاركوفسكي إن كان يضع قائمة لأفلامه العشرة المفضلة. وأخذ اقتراحي بجدّ وفي غضون بضع دقائق جلس واستغرق عميقاً في التفكير ورأسه منحنٍ على قطعة من الورق. ثم بدأ يدوّن قائمة بأسماء المخرجين- بونويل، برغمان، بريسون، كوروساوا، أنطونيوني، فيغو. ثم أضاف اسم "دراير" بعد توقف. ثم دوّن قائمة بالأفلام ووضعها بعناية في ترتيب مرقم. وكانت القائمة كما يبدو جاهزة لكن فجأة وبشكل غير متوقع أضاف عنواناً آخر :" أضواء المدينة".
وفي أدناه القائمة النهائية التي أدرجها:
1. يوميات كاهن في الريف (روبرت بريسون)
2. ضوء الشتاء (أنغمار برغمان)
3. نازارين (لوي بونويل)
4. الفراولة البرية (أنغمار برغمان)
5. أضواء المدينة (شارلي شابلن)
6. حكاية القمر الشاحب بعد المطر (كينزي ميزوكوشي)
7. الساموراي السبعة (أكيرا كوروساوا)
8. برسونا (انغمار برغمان)
9. موشيت (روبرت بريسون)
10. امرأة الرمال (هيروشي تيكيشاهارا)
وبعد أن تمت طباعة وتوقيع القائمة بـ" 16 / 4 / 72 آ. تاركوفسكي" رجعنا إلى حديثنا الذي غير أثناءه الموضوع تماماً بشكل طبيعي وبدأ بحسه الرقيق في الفكاهة كي يتكلم عن أمر لا أهمية له.
وبعد أن أنظر إلى القائمة اليوم بعد عشرين سنة يدهشني كيف أن اختياراته قد ميزت بوضوح تاركوفسكي الفنان.
ومثل قوائم العشرة الأوائل التي يرسلها المخرجون إلى مجلات مختلفة على مدى السنين فإن قائمة تاركوفسكي كانت في منتهى الكشف. وميزتها الرئيسة هي قسوة اختياره – باستثناء فيلم "أضواء المدينة" - فهي لم تحتو على فيلم صامت أو أي فيلم من الثلاثينات أو الأربعينات.
والسبب في ذلك بسيط لأن تاركوفسكي يرى أن السينما في السنين الخمسين الأولى من تأسيسها كانت مقدمة لما يعده صناعة السينما الحقيقية. وعلى الرغم من تقديره العالي لكل من "دوفشنكو" و"بارنيت" فإن الغياب التام للأفلام السوفيتية من قائمته هي ربما دليل على حقيقة أنه رأى صناعة الفيلم الحقيقية هي شيء استمرّ في مكان آخر. وباعتبار هذه النقطة يحتاج المرء أيضاً إلى أن يحمل في ذهنه الموقف الجدلي بأن تاركوفسكي أصبح متشبعا كلياً بتجربته كونه صانع فيلم في الاتحاد السوفيتي.
بالنسبة لتاركوفسكي كانت المسألة لا تكمن في الحد الذي ممكن أن يكون فيه فن صانع الفيلم جميلاً بل في القمم التي من الممكن أن يرقى إليها ذك الفن. إن مخرج "أندريه روبليف" كان يكافح من أجل أشد التوترات الروحية العميقة والكشف الذاتي الوجودي الأقصى في كل أعماله وكان جاهزاً لرفض أي شيء لم يتطابق مع هذا الهدف. إن قائمته ، التي ضمت ثلاثة أفلام لبرغمان، تعكس بشكل لا شك فيه ذوقه كمخرج وكمشاهد – لكن الأخير هو تابع للأول.
وكما تظهر الطريقة التي بدأ بها في اختيارها فإن هذه ليست قائمة لأفلام تاركوفسكي المفضلة فحسب بل أيضاً على حد سواء قائمة لمخرجيه المفضلين. إن "الألفة الاختيارية" بين تاركوفسكي وبرغمان كانت جديرة بالملاحظة منذ وقت طويل قبل صنع فيلمه "القربان". لكن فيلم بريسون لم يأت على قمة القائمة بالصدفة: فتاركوفسكي يعده كونه فرداً إبداعياً أسمى.يقول:" روبرت بريسون بالنسبة لي مثال لصانع الفيلم الحقيقي والأصيل.. إنه يخضع للقوانين الموضوعية القصوى للفن.. إن بريسون هو الشخص الوحيد الذي بقي هو نفسه ونجا من كل الضغوط التي تجلبها الشهرة".
سيبدو لي بأن الظهور غير المتوقع لفيلم "أضواء المدينة" في القائمة يمكن أن يوضح بطريقة مشابهة. إن ما يهم كثيراً بالنسبة لتاركوفسكي ليس الإنجازات السينماتوغرافية للفيلم أو أي أهداف فلسفية صنع من أجله بل بالأحرى الطبيعة الشاملة لإدراك شابلن نفسه كونه مخرجاً. "إن شابلن هو الشخص الوحيد الذي يجب أن يذكر في تاريخ السينما دون أدنى شك. فالأفلام التي تركها لا يمكن أن تصبح قديمة".
إن جوهر أفلام تاركوفسكي العشرة المفضلة لديه تظهر بيانه الخاص لصناعة الفيلم الإبداعي.