اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > المدينة في العراق وعلاقتها بالأرياف

المدينة في العراق وعلاقتها بالأرياف

نشر في: 29 نوفمبر, 2013: 09:01 م

إن الحديث عن المدينة وعلاقتها بالأرياف يستدعي عقد مقارنة بينهما مع أن هدف الحديث هنا هو بحث العلاقة بينهما. وكلا الأمرين يستدعيان التعريف Identification بهما ولو ببساطة وإدراج المعايير Criteria التي تعتمدها المدينة لتشكيل وجودها، والحقوق والامتيازات

إن الحديث عن المدينة وعلاقتها بالأرياف يستدعي عقد مقارنة بينهما مع أن هدف الحديث هنا هو بحث العلاقة بينهما. وكلا الأمرين يستدعيان التعريف Identification بهما ولو ببساطة وإدراج المعايير Criteria التي تعتمدها المدينة لتشكيل وجودها، والحقوق والامتيازات Authorities التي تمتلكها لاعتمادها في بقائها Existence وتطورها Evolution وكذلك الحدود Limitations التي تفترضها لنفسها أو تُفرض عليها. إضافة إلى المعايير والحقوق والحدود التي يمتلكها الريف لبقائه وتطوره. في العديد من دول العالم وخاصة المتقدمة منها يمتلك الريف استقلالاً Independence نوعيا ً يجعله يمتلك القرار أو بعضه لوضع هذه المعايير والحقوق والحدود، في حين يخضع الريف في دول أخرى وبخاصة النامية منها ولعل العراق في مقدمتها إلى سلطة المدينة المركز للمحافظة أو الإقليم مما يؤثر سلبا ً بشكل واضح على طبيعة الحياة في ذلك الريف.
تتمثل المعايير في عدد من المؤشرات المهمة للتمييز بين المدينة والريف، مثل التعداد السكاني Population لكل منهما - مع ذلك لا يوجد عدد محدد ينتقل فيه الريف من كونه ريفا ً إلى مدينة فقد يكون بضع مئات أو بضعة آلاف - ، والكثافة السكانية Population Density ( عدد السكان في الهكتار أو الكيلو مثر المربع ) وهو مقياس نسبي يختلف من دولة إلى أخرى ( تعتبر منغوليا أقل دول العالم كثافة سكانية 1.8 شخص / كم مربع وإمارة موناكو أعلاها كثافة سكانية 18005أشخاص / كم مربع، في حين يمتلك العراق كثافة سكانية تعادل 72.8 شخص / كم مربع حسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2010 )، وكذلك نوع الحرف السائدة في كل منهما وعادة ما تهيمن حرفة الزراعة في الأرياف، وأنواع الخدمات Services & Facilities التي تقدم في كل منهما ،وهناك الكثير من الخدمات ما لا يستطيع الريف تأمينه لساكنيه وإنما تقوم المدينة بهذا الدور، كالتعليم الجامعي والمهني والخدمات التسويقية الواسعة وغيرها. وعادة ما يكون هذا المؤشر هو السبب الرئيس لحدوث الهجرة الدائمة Permanent Migration وانتقال بعض سكان الأرياف وخاصة الشباب إلى المدن واستقرارهم هناك، أو الهجرة المؤقتة Temporary Migration لغرض الدراسة مثلا ً ثم العودة، أو الهجرة المتكررة Frequent Migration كالتردد اليومي لطلبة الجامعات أو الموظفين بين الريف والمدينة. وتؤدي هذه الهجرة عادة إلى نشوء مؤشر آخر يضاف إلى هذه المعايير وهو نسبة الإعمار المختلفة Aged Ratio وعادة ما يكون كبار السن هم الغالبية في الريف.
هناك مؤشر آخر تجدر الاشارة اليه وهو المستوى المعيشي Lifestyle وأختلافه بين المدينة والريف، وقد ظلت المدينة ولقرون عديدة تتميز بمستوى معيشي أعلى من الريف، وهذا هو واقع الحال الان في العراق وهو مؤشر غير صحي ويؤدي الى نشوء تناقضات وصراعات عديدة داخل هيكلة المجتمع وتكوينه Society Structure ، غير أن العقود الاخيرة شهدت تغيرا ً معاكسا ً وخاصة في دول أوربا الغربية وأميركا الشمالية ودول متفرقة أخرى يتميز فيها الريف بمستويات معيشية تعادل المدينة وربما تفوقها، وخاصة بعد ظهور نظريات تخطيطية تدعو الى ذلك مثل المدينة الحدائقية Garden City 1898 لهوارد Ebenezer Howard 1850-1928 ووصولا ً الى القرى الحضرية Urban Villages و المدينة المستدامة Sustainable City أو المدينة الخضراء في العقود الثلاث الاخيرة، حتى لقد بدا وكأن عموم فكرة التخطيط الحضري أنقلبت تماما ً وأصبحت غاية المدينة هي الاقتراب من الريف وماله من مميزات قد خسرتها المدينة أثناء نشوءها وتطورها، وقد أشار الى ذلك سابقا ً المؤرخ والناقد الاميركي لويس ممفورد 1895-1990 في كتابه المدينة في التأريخ عام 1961.
أما الحقوق والامتيازات التي تميز المدينة عن الريف فمنها مستوى التعليم Educational Level والثقل الصناعي Industrial Classification والاستقلال الاداري والسياسي Political Independence. وتتمثل المحددات في أمور عديدة أهمها التبعية الاقتصادية Economic Dependence وأنعدام التكامل المهني فلا يمكن للريف أن يشتمل على شبكة متكاملة من المهن، مما يجعله على أرتباط شبه دائم بالمدينة وبرغم كون هذا الامر محددا ً الا أنه أيجابي في حد ذاته فليس الهدف من الاستقلال العزلة.
تشير أحصائيات الامم المتحدة الى أن نسبة سكان المدن أو الاستيطان الحضري Urban Population في العراق هي 66.5 % أي أن ثلث سكان العراق تقريبا ً يسكن الارياف وهي نسبة كبيرة لايمكن الاستهانة بها أي أن حوالي 10 ملايين عراقي هم من سكان الارياف، وأن نسبة نموهم أعلى قليلا ً (3.2 %) من نمو سكان المدن ( 3.1 %).
فما هي طبيعة العلاقة بين مدننا في العراق وبين الارياف المحيطة بها؟
في بقاع كثيرة من العالم تغيرت هذه العلاقة بشكل جذري أحيانا ً، فلم تعد المدينة هي المركز الحضري الاكثر رقيا ً والافضل من ناحية الخدمات والاكثر أمانا ً وموطن السكان ذوي الدخل العالي، ولم تعد الارياف هي تلك البؤر المهملة خارج نطاق وحدود المدينة الاقل أمانا ً والأضعف خدمات والتي يسكنها الاوطأ دخلا ً وتعليما ً وأنها تقتصر على حرفة الزراعة ومايرتبط بها.
لقد بدأت الارياف تتخذ أشكالا ً جديدة لتصنع لها أهدافا ً مختلفة تماما ً عما سبق، فبالرغم من أستمرارها كقواعد أقتصادية مهمة للمدن وذلك عن طريق توفير أهم حاجات السكان – الغذاء -، فأنها بدأت تتحول الى مناطق سكنية مرفهة يسكنها ذوو الدخل المرتفع والذي لايشكل لهم التردد Commuting بين المدينة والريف مشكلة بيّنة.كما تحولت الارياف اللى نقاط فعالة لحل مشكلة الكثافة السكانية العالية في المدينة وأزمة السكن وضغوطها وأرتفاع أسعار الاراضي هناك وصعوبة تقديم الخدمات المدينية وقلة الامان وكثافة المرور وأرتفاع مستوى التلوث وفقر البيئة الحضرية جماليا ً وأفتقارها الى الطبيعة والهدوء والتي أدى الى أرتفاع مستوى الاجهاد والتوتر لدى ساكني المدن.
وعلى العكس من ذلك تحولت مراكز الكثير من المدن االى قطاعات للسكن المؤقت وسكن طلبة الجامعات والطبقة العاملة القادمة من مناطق أخرى ونقاط لانجاز وظائف متعددة أخرى.
لقد كان المفترض للعلاقة بين المدينة في العراق والارياف المحيطة بها أن تتخذ نفس المسار ونفس المصير، غير أن الاحداث القلقة التي مرت بها البلاد والاهمال المتعمد عادة من قبل الدولة وأداراتها وعلى مدى عقود وضعف الهيكلة الادارية للمحافظات وتوابعها أدى الى غرق الارياف في العراق في وحل العزلة والنسيان ونقص فاضح في الخدمات فيها والذي أنعكس بشكل سلبي واضح على مستوى الانتاج الزراعي المتوقع منها.
من الاسباب الاخرى التي أدت الى ضعف دور الارياف في عملية البناء الحضاري – والذي هو ذاته تعرض الى تراجع واضح عموما ً – هو عدم وجود ادارات محلية لهذه الارياف ولو بشيء من الاستقلالية وأنها كانت ومازالت تابعة بشكل مذل ّ أحيانا ً الى مراكز المدن المرتبطة بها.
كما ساهم ضعف شبكة النقل والاتصالات Transport & Logistics بين المدينة وأريافها الى تعزيز عزلتها وأنقطاعها. تلك الشبكة التي لايمكن لاي عملية تطور وبناء أن تتم بدونها، أو بدون بقية البنى التحتية Infrastructures والتي هي بمثابة الشرايين التي تمنح المنطقة حياتها وحيويتها.
هناك أسباب عديدة يمكن الاشارة اليها، غير أن هناك عاملا ً أو واقعا ً آخر لابد من الاشارة اليه وهو الفوارق الطبقية Social Stratification بين ساكني المدينة وبين ساكني الريف والنظرة الدونية من قبل المجتمع المديني، وقد ساهمت الحكومات الدكتاتورية السابقة في تركيز هذا المفهوم – وهي أحدى أساليب الدكتاتورية المتعارفة لفرض سيطرتها – والذي أحال الارياف الى مستودعات بشرية ترتع في الفقر والجهل لغرض تجنيدها عند الحاجة، على أن هذا الوضع لايمكن تجاوزه بسهولة وبمدة قصيرة وقد يحتاج الى برامج سياسية وأدارية وثقافية واسعة ومركّزة، وهو مالم يحدث في الواقع الراهن. بل أن الواقع المعاصر يشير الى نشوء هيكلة جديدة للارياف – لعلها أشد خطورة من سابقتها – وخاصة في وسط وجنوب العراق والتي تعتمد على تركيز الثقافة القبلية وعصبياتها، فأنتقلت الارياف من كونها بؤر فقيرة معزولة تلعب بها يد الدكتاتورية كيف تشاء الى بؤر لتصدير الثقافات القبلية فيما بينها، بل وبأتجاه المدينة أيضا.
وأذا أخذنا بنظر الاعتبار عوامل أخرى كشحة المياه والتصحر Desertification القادم بتسارع نحو أريافنا وسياسة الدول الجوار في تسييس المياه وتسييس أمور عديدة أخرى فأن الارياف العراقية في طريقها الى التحول الى بقع صحراوية بقبائل متنافرة غير آمنة لا أنتاج لها سوى البداوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram