من الاستخدام الحديث لربطة العنق "الرباط او الباينباغ" كما يسميه البغداديون ، يمكن الاشارة الى بروز شخصيات سياسية احتلت المشهد السياسي ، واتخذت لها "راس تخت" في مقهى البرلمان ، او في السلطة التنفيذية ، وتلك الشخصيات معروفة بالتخلي عن الرباط عند التوجه الى دولة جارة تحرم ارتداء ربطة العنق لانها زي غربي دخل الى المنطقة مع المستعمرين المحتلين سراق ثروات الشعوب ، واصحاب هذه النظرة يتناسون او يتجاهلون حقيقة ان ازياء الشرقيين مستعارة من الغرب ، بدءا من البدلات الرجالية الى حمالات الصدر للنساء والتنورات من نوع الميني جيب وانتهاء بمستحضرات التجميل وصبغ الشعر الدائم ، المستخدم بكثرة من قبل" المتروبطين" سدد الله خطاهم وبارك في جهودهم لخدمة الامة لحين تحقيق اهدافها في القضاء على اعدائها في الداخل والخارج ، ومن وقف بجوار القلاع الحصينة منتظرا الفرصة المناسبة للهجوم على القصر الجمهوري او البلاط الملكي للوصول الى السلطة واعلان بدء عصر جديد.
افندية بغداد القدماء من موظفين حكوميين وساسة ومسؤولين ، استخدموا ربطة العنق من دون الشعور بالحرج باستعارة تقليد غربي ، ومع السيدارة كانت صورة "رجل الدولة " تفرض حضورها في المشهد السياسي ، وبمرور الزمن وبارتداء السيدارة وربطة العنق من قبل شخصيات ورموز ثقافية اكتسب الزي احترامه ، من قبل جميع ابناء المجتمع ، حتى تخلى اصحاب الجراويات عنها واصبحوا افندية ، لكنهم حافظوا على مزاولة اعمالهم ولم يتدخلوا بشؤون السياسية ودهاليزها ، ولم يرغب احدهم في ان يكون زعيم حزب او رئيس كتلة نيابية ، لكنهم وبحرصهم على مستقبل ابنائهم شجعوهم على ان يكونوا افندية زمانهم ، بعضهم حقق تمنيات الاباء والاخر اقتنع بقسمته .
اصحاب استوديوهات التصوير سابقا كانوا يقدمون لزيائنهم اربطة العنق لالتقاط "صورة كهربائية" لاظهار صاحبها بمظهر انيق ، تشجعه على اهداء صورته لبنت الجيران ان استطاع ذلك ، او لاصدقائه المخلصين ، وقد كتب خلفها اهدي صورتي هذه الى صديقي المخلص فلان ليظل جرس ذكرى يدق في وادي النسيان ، وكان هذا التقليد سائدا بين الاشخاص القادرين على دفع سعر التقاط الصورة البالغ نصف دينار او اقل في زمن كان فيه الدرهم يجيد قراءة النشيد الوطني.
جناب المتروبط سواء كان عضوا في البرلمان او صاحب منصب مهم لا يحتفظ ارشيفه الشخصي بصورة كهربائية ، لانه كغيره من عباد الله الفقراء يتجهون الى المصور الشمسي لالتقاط صور لمعاملات رسمية ، للحصول على دفتر النفوس وشهادة السلامة من الاصابة بمرض السل، واثناء التصوير يبذل المصور الكثير من الجهد لتعديل هندام ابو الزيج الهدل لتكون صورته مقبولة يرضى عنها موظفو دوائر النفوس ، وهؤلاء عرف عنهم انهم اصحاب التعليق الشهير على الصور بالقول "طالع من الكبر بكفالة" ، فيتجرع الهدل التعليق على مضض ، وربما تذكره هذه الايام عندما يضع ربطة العنق لينضم الى جوقة " المتروبطين" من الساسة والمسؤولين الحريصين على التخلي عن اربطتهم اثناء سفرهم في رحلة الخطوط الجوية على متن طائرة ايرباص الى مطار دولة الدبوني .
جناب "المتروبط"
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2013: 09:01 م