بعيداً عن الترحيب الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بالاتفاق المبرم بين الدول الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي، وإعلانهم الارتياح له، على أمل أن يكون مقدمة للتوصل إلى حل شامل لهذا الملف، واعتبارهم أن الانتخابات الأخيرة في إيران يمكن أن تشكل مرحلة جديدة بين دول التعاون وطهران، مبنية على عدم التدخل وحسن الجوار وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، فإن وزراء داخلية التعاون طالبوا الدول الغربية بأن توضح لقادة وشعوب المنطقة، أن ما تم التوصل إليه من اتفاق، إنما يخدم تحقيق الاستقرار الأمني الإقليمي، وألا يكون على حساب أمن أي دولة من دول المجلس، وفي تعبير لافت عن مخاوفهم، اتخذوا مزيداً من الإجراءات ضد مصالح حزب الله اللبناني في دولهم، وضد المتعاونين معه.
معروف أن الدول الخليجية كانت اتخذت إجراءات للتضييق على أنصار حزب الله المقيمين في أراضيها، انتصاراً لحلفائهم اللبنانيين، ورفضاً لموقف الحزب المذهبي من ما يجري في البحرين، وموقفه الداعم عسكرياً للنظام السوري، وانتقاماً من "تبعيته" الكاملة لنظام الولي الفقيه، غير أن الجديد المتمثل بتشديد هذه الاجراءات، وشمولها للمتعاونين معه، ليس أكثر من رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى طهران، مفادها أنه ما زال لدى دول التعاون "أسلحة"، يمكن استخدامها لمواجهة النفوذ الإيراني المتوقع تصاعده بعد الاتفاق، ويشمل " المتعاونين " مع حزب الله، في إشارة تحذيرية لا تخفي على اللبيبب، إلى أبناء الطائفة الشيعية من مواطنيهم، ويمكن بكل بساطة أن نشتم هنا رائحة الموقف الطائفي.
وزير الداخلية السعودي عبر بصراحة، عن المخاوف من أحداث وتحديات كبيرة وخطيرة تواجه دول التعاون، تستدعي إجراءات تنسيق أمنية خاصة، واضح أنه كان يشير إلى الاتفاق الإيراني مع الدول الغربية، الذي تتعامل معه دمشق وحزب الله على أنه انتصار لمحور الممانعة، يشد أزرهما ويقوي موقفهما في مجابهتهما العسكرية في سوريا، والسياسية في لبنان، ويتجاهل الطرفان أن نتائج جنيف الثاني، بخصوص الوضع المستقبلي للدولة السورية لم تتضح ملامحها بعد، ولم يتبين إن كان الاتفاق حول برنامج إيران النووي، يلحظ مستقبل الرئيس الأسد، الذي يدفع بقواته المدعومة من حزب الله وكتائب أبو الفضل العباس، لخوض معارك يأمل أن تكون حاسمة قبل السفر إلى جنيف، لتثبيت نظامه وإعادة تأهيله كرأس حربة في مواجهة الإرهاب.
دول التعاون في اجتماع وزراء خارجيتها سعت لاجتذاب مملكتي المغرب والأردن إلى موقفها، ملوحة بجزرة المعونات التي تعتمد عليها عمان، وبتعاون اقتصادي أكبر تسعى له الرباط، ولا يُمثل ذلك تراجعاً كاملاً و بالمطلق عن فكرة ضمهما إلى المنظومة الخليجية، التي تعثرت بعد دعوة الرياض لها، بقدر ما هو تلويح لهما بالفائدة التي ستنجم عن ذلك فيما لو تم، كان الأردن واضحاً في التزامه الموقف السعودي، تجاه ما يجري في سوريا، من خلال الإعلان عن تنسيق كامل في مواقف البلدين المنتظرة في جنيف الثاني، أما المغرب فان انشغالها بالتطورات الداخلية فيها، وأزمتها التاريخية مع الجزائر، والتحولات العميقة في تونس وليبيا، تدفعها للتركيز على داخلها، بما فيه من نشاط إيراني لنشر التشيع في المملكة العلوية، وجوارها الإقليمي الملتهب.
لم يكن هناك تناقض في موقفي وزراء الداخلية والخارجية الخليجيين، بقدر ما اختلفت اللغة، بحسب من هي موجهة إليهم، الدبلوماسيون خاطبوا العالم بمواقتهم على ما يخطط له، من سيادة الهدوء في المنطقة عبر تسويات كبرى، والأمنيون لوحوا بالعصا لمشايعي الولي الفقيه من مواطنيهم ومن العرب الآخرين، ممثلين بحزب الله وربما بالحوثيين في اليمن، صحيح أنهم لم يتطرقوا إلى العراق، لكن تفجر الوضع الأمني فيه ليس بعيداً عن ما يجري في المنطقة، وإن كانت أوضاعه الداخلية تكفي لتفجيرها وتزيد.
الخليج والاتفاق حول النووي الإيراني
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2013: 09:01 م